وتدبيرها، حتى يتوهم أن يكون لهم شائبة استحقاق للعباد، فإنَّ {ما} لا مدخل له في وجود شيء من الأشياء بوجه من الوجوه، فهو بمعزل من ذلك الاستحقاق بالكلية، وإن كانوا من الأحياء العقلاء .. فما ظنكم بالجماد.
فإن قلت (?): فما تقول في عيسى عليه السلام، فإنه كان يحيي الموتى، ويخلق الطير، ويفعل ما لا يقدر عليه غيره؟
قلت: هو بإقدار الله تعالى وإذنه، وذلك لا ينافي عجزه في نفسه، وذكر الشرك في الجهات العلوية دون السفلية؛ أي: دون أن يعم بالأرض أيضًا؛ لأنَّ الآثار العلوية أظهر دلالة على اختصاص الله تعالى بخلقها لعلوّها، وكونها مرفوعة بلا عمد ولا أوتاد، أو للاحتراز عمّا يتوهم أنّ للوسائط شركة في إيجاد الحوادث السفلية؛ يعني: لو قال: أم لهم شرك في الأرض .. لتوّهم أنّ للسموات دخلًا وشركة في إيجاد الحوادث السفلية، هذا على تقدير أن تكون {أَمْ}: منقطعة، والأظهر: أن تجعل الآية من حذف معادل أم المتصلة لوجود دليله، والتقدير: ألهم شرك في الأرض أم لهم شرك في السموات كما في "حواشي سعدي المفتي".
والمعنى (?): أي قل لهم أيها الرسول: أخبروني عن حال آلهتكم بعد التأمل في خلق السموات والأرض وما بينهما، والنظام القائم المبنيّ على الحكمة ودقة الصنع، والإبداع في التكوين، هل تعقلون لهم مدخلًا في خلق جزء من هذا العالم السفليّ، فيستحقوا لأجله العبادة؟ ولو كان لهم ذلك لظهر التفاوت في هذا النظام، والمشاهد أنه على حال واحدة يستمدُّ أدناه من أعلاه، ويرتبط بعضه ببعض، وكل فرد في الأرض مخدوم بجميع الأفراد فيهما، أم هل تظنون أن لهم شركة في خلق العالم العلويّ: شموسه وأقماره كواكبه ونجومه سياراتها وثوابتها.
وقصارى ذلك: نفى استحقاق آلهتهم للمعبودية على أتمَّ وجه، فقد نفى أنَّ لها دخلًا في خلق شيء من أجزاء العالم السفليّ استقلالًا، ونفى ثانيًا أنّ لها