ثلّث، فلم يجبه أحد، فقال: "أبيتم، فوالله إني لأنا الحاشر، وأنا العاقب، وأنا النبي المصطفى، آمنتم أو كذبتم" ثم انصرف وأنا معه، حتى إذا عندنا نخرج .. نادى رجل من خلفنا: كما أنت يا محمد، قال: فأقبل فقال ذلك الرجل: أيَّ رجلٍ تعلموني يا معشر اليهود؟ قالوا: والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك، ولا أفقه منك، ولا مِنْ أبيك قبلك، ولا من جدّك قبل أبيك، قال: فإني أشهد له بأنه نبيُّ الله الذي تجدونه في التوراة، قالوا: كذبت، وردّوا عليه قوله، وقالوا فيه شرًا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كذبتم، لن يقبل قولكم، أما آنفًا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، ولما آمن كذّبتموه وقلتم فيه ما قلتم، فلن يقبل فيه قولكم" قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا، وعبد الله بن سلام، وأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ فيه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}.
وأخرج (?) البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: في عبد الله بن سلام نزلت: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ}.
وأخرج ابن جرير والترمذي وابن مردويه عن عبد الله بن سلام قال: فيّ نزلت، ونزل فيّ: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}.
قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه الطبراني عن قتادة قال: قال ناس من المشركين: نحن أعزّ ونحن ونحن، فلو كان خيرًا منا .. ما سبقنا إليه فلان وفلان، فنزل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...}.
وأخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال: كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله، يقال لها: "زِنِّينٌ"، أو "زِنِّيْرة"، فكان عمر يضربها على إسلامها حتى يفتر، وكان كفار قريش يقولون: لو كان خيرًا ما سبقتنا إليه زِنِّين، فأنزل الله تعالى في شأنها: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا ...} الآية. وقال عروة بن الزبير: إنّ زِنِّيرة روميَّة كان أبو جهل يعذبها، أسلمت فأصيب بصرها،