[28]

الآيات والدلائل، بدخولهم في جهنم وبئس المستقر، وقد جعلت الحياة والصحة والعقل كأنها رؤوس أموال، والتصرف فيها بطلب السعادة الأخروية يجري مجرى تصرف التاجر في ماله طلبًا للربح، أما الكفار فقد أتعبوا أنفسهم، وتصرفوا فيها بفعل الآثام، والإشراك بالله، تصرف التاجر الذي أساء في تجارته فوكس فيها، ولم يجد في العاقبة إلا الخسران والخذلان والطرد من رحمة الله، وذلك ما لا يرضاه عاقل لنفسه، يزن الأمور بميزان الحكمة والسداد.

28 - ثم بين حال الأمم في ذلك اليوم، وما تلاقيه من الشدائد، انتظارا لفصل القضاء، فقال: {وَتَرَى} أيها المخاطب في ذلك اليوم، روية عين {كُلَّ أُمَّةٍ} من الأمم المجموعة، مؤمنيهم وكافريهم، حال كونها {جَاثِيَةً}؛ أي: باركة جالسة على الركب من هول ذلك اليوم، غير مطمئنة؛ لأنها خائفة، فلا تطمئن في جلستها عند السؤال والحساب، يقال: جثا إذا جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف أصابعه، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: {جَاثِيَةً}؛ أي: مجتمعة، بمعنى: أن كل أمة لا تختلط بأمة أخرى، يقال: جثوت الإبل وجثيتها، جمعتها، والجثوة بالضم: الشيء المجتمع.

فإن قيل (?): الجثو على الركب إنما يليق بالكافرين، فإن المؤمنين لا خوف عليهم يوم القيامة.

فالجواب: أن الآمن قد يشارك المبطل في مثل هذا، إلى أن يظهر كونه محقًا مستحقًا للأمن.

وقرىء (?): {جاذية} بالذال المعجمة، والجذو أشد استيفازا من الجثو؛ لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه. {كُلُّ أُمَّةٍ} كرر {كُلُّ أُمَّةٍ}؛ لأنه موضع الإغلاظ والوعيد {تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا}؛ أي: إلى صحيفة أعمالها، فالإضافة مجازية للملابسة؛ لأن أعمالهم مثبتة فيه، وقيل: إلى كتابها الذي أنزل عليها لتعبد ربها بهديه، وكتابها الذي نسخته الحفظة من أعمالها، ليطبق أحدهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015