يقول الفقير: لم يقل: للموقنين كما قال للمؤمنين، إشارةً إلى قلة هذا الفريق بالنسبة إلى الأول. وخص الإيقان بخلق الأنفس؛ لأن ما قبله من الإيمان بالآفاق، وهو ما خرج عنك، وهذا من الإيمان بالأنفس، وهو ما دخل فيك، وهذا أخص درجات الإيمان, فإنه إذا أكمل الإيمان في مرتبة الإيمان بترقي العبد إلى المشاهدة في مرتبة الأنفس، فكمال اليقين إنما هو في هذه المرتبة، لا في تلك المرتبة؛ لأن العلم بما دخل فيك أقوى منه بما خرج عنك، إذ لا يكذبه شيء، ولذا جاء العلم الضروري أشد من العلم الاستدلالي، وضم خلق الدواب إلى خلق الإنسان لاشتراك الكل في معنى الجنس، فافهم جدًا، واقنع.
وفي "التأويلات النجمية": أن العبد إذا أمعن نظره في حسن استعداده ظاهرًا وباطنًا، وأنه خلق في أحسن تقويم، ورأى استواء قده وقامته، وحسن صورته وسيرته، واستكمال عقله وتمام تمييزه وما هو مخصوص به في جوارحه وجوانبه، ثم تفكر فيما عداه من الدواب وأجزائها وأعضائها وأوصافها وطباعها .. وقف على اختصاص وامتياز بني آدم بين البرية من الجن في الفهم والعقل والتمييز ثم في الإيمان ومن الملائكة في حمل الأمانة، وتعلم علم الأسماء.
والمعنى: أي وإن في خلق الله إياكم على أطوار مختلفة من تراب، ثم من نطفة إلى أن تصيروا أناسي، وفي خلق ما تفرق في الكون من الدواب لحججًا لقوم يوقنون بحقائق الأشياء، فيقرونها بعد العلم بصحتها.
5 - {وَ} في {اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} بتعاقبهما أو بتفاوتهما طولًا وقصرًا، أو بسواد الليل، وبياض النهار {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ} عطف على {اختلاف} {مِنْ رِزْقٍ}؛ أي: مطر، وهو سبب الرزق، عبر عنه بذلك تنبيهًا على كونه آية من جهتي القدرة والرحمة {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ} بأن أخرج منها أصناف الزروع والثمرات والنباتات {بَعْدَ مَوْتِهَا}؛ أي: بعد يبسها، وعرائها عن آثار الحياة، وانتفاء قوة التنمية عنها، وخلو أشجارها عن الثمار، ففيه (1) تشبيه للرطوبة الأرضية بالروح الحيواني في كونها مبدأ التوليد، والتنمية، وتشبيه زوالها بزوال الروح وموت