الله، فترك الشرك والمعاصي، وفي الخبر: "ما من أحد من أهل النار يدخل النار حتى يرى مقعده من الجنة، فيقول: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} فيكون عليه حسرةً، وهذا من جملة ما يحتج به المشركون من الحجج الزائفة، ويتعلّلون به من العلل الباطلة، كما في قوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} فهي كلمة حق يريدون بها باطلًا.
3 - 58 {أَوْ تَقُولَ} نفس {حِينَ تَرَى الْعَذَابَ} عيانًا ومشاهدةً {لَوْ} للتمني {أَنَّ لِي كَرَّةً}؛ أي: رجعة إلى الدنيا {فَأَكُونَ} بالنصب في جواب التمني؛ أي: أتمنى كون كرة ورجعة لى إلى الدنيا، فكوني {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} في العقيدة والعمل.
وخلاصة ذلك: أنّ هذا المقصر تحسر على التفريط في الطاعة، وفقد الهداية، ثم تمنى الرجعة إلى الدنيا؛ لتدارك ما فات، وكلمة أو في مواضعها للدلالة على أنها لا تخلو النفس عن هذه الأقوال، تحيرًا وتعللًا بما لا طائل تحته، وندمًا حيث لا ينفع الندم، وقيل: إن قومًا يقولون هذا، وقومًا يقولون ذاك.
59 - فأجابها سبحانه بقوله: {بَلَى ...} الخ.
فإن قلت (?): كلمة {بَلَى} مختصة بإيجاب النفي، ولا نفي في واحدة من تلك المقالات.
قلت: إنها رد للثانية، وكلمة {لَوْ} تتضمن النفي؛ لأنها لامتناع الثاني لامتناع الأول؛ أي: لو أن الله هداني .. لكنت من المتقين، ولكن ما هداني، فقال تعالى: بلى قد هديتك.
{قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} التنزيلية القرآنية، وهي سبب الهداية، وفصله عن قوله: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} لما أن تقديمه على الثالث يفرّق القرائن الثلاث التي دخلها {أَوْ}، وتأخير {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي ...} إلخ. يخل بالترتيب الوجودىّ؛ لأنه يتحسر بالتفريط عند تطاير الكتب، ثم يتعلل بفقد الهداية عند مشاهدة أحوال المتقين واغتباطهم، ثم يتمنّى الرجعة عند الاطلاع على النار، ورؤية العذاب، وتذكير (?)