ومحكم ما أنزل إليكم {مِنْ رَبِّكُمْ} سبحانه، دون منسوخه ومتشابهه، أو عزائمه دون رخصه.
وقيل: العفو دون الانتقام، وقيل: أحسن ما أنزل إليكم من أخبار الأمم الماضية، وقال الحسن: الزموا طاعته، واجتنبوا معصيته، فإن الذي أنزل عليكم من ثلاثة أوجه، ذكر القبيح لتجتنبوه، وذكر الأحسن لتؤثروه، وذكر الأوسط لئلا يكون عليكم جناح في الإقبال عليه، أو الإعراض عنه، وهو المباحات.
وفي "فتح الرحمن" (?): إن قلت: كيف قال: ذلك مع أن القرآن كله حسن؟.
قلت: معناه أحسن وحي، أو أحسن كتاب أنزل إليكم، وهو القرآن كله، أو أحسن القرآن آياته المحكمات، أو آياته التي تضمنت أمر طاعة، أو إحسان انتهى. أي: واتبعوا ما أمركم به ربكم في تنزيله، واجتنبوا ما نهاكم عنه فيه {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ}؛ أي: البلاء والعقوبة {بَغْتَةً}؛ أي: فجأة، ويجوز أن يكون المراد بالعذاب الآتي بغتة هو الموت؛ لأنه مفتاح العذاب الأخروي، وطريقه، ومتصل به {وَأَنْتُمْ} لغفلتكم؛ أي: والحال أنكم لغفلتكم {لَا تَشْعُرُونَ}؛ أي: لا تدركون بالحواس مجيئه؛ لتتداركوا وتتأهّبوا؛ أي: من قبل أن يفاجئكم العذاب وأنتم غافلون عنه، لا تشعرون به، وقيل (?): أراد أنهم يموتون بغتة فيقعون في العذاب، والأول أولى؛ لأنّ الذي يأتيهم بغتة هو العذاب في الدنيا بالقتل والأسر والقهر والخوف والجدب، لا عذاب الآخرة ولا الموت؛ لأنه لم يسند الإتيان إليه،
56 - ولما خوّفهم بالعذاب .. ذكر علّة ذلك فقال:
1 - {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} مفعول لأجله (?) للأفعال السابقة، التي هي الإنابة والإخلاص واتباع القرآن، والتنكير في {نَفْسٌ}؛ لأن القائل بعض الأنفس، أو للتكثير والتعميم؛ ليشيع في كل النفوس.
والمعنى: افعلوا ما ذكر من المأمورات؛ يعني أمرتكم به كراهية أن تقول كل