فإن قلت (?): حمل هذه الآية على ظاهرها يكون إغراء بالمعاصي، وإطلاقًا في الإقدام عليها، وذلك لا يمكن.

قلت: المراد منها: على أنه لا يجوز أن يظن العاصي أنّه لا مخلص له من العذاب، فإن من اعتقد ذلك .. فهو قانط من رحمة الله تعالى، إذ لا أحد من العصاة إلا ومتى تاب .. زال عقابه، وصار من أهل المغفرة والرحمة، فمعنى أن الله يغفر الذنوب جميعًا؛ أي: إذا تاب، وصحت التوبة .. غفرت ذنوبه، ومن مات قبل أن يتوب .. فهو موكول إلى مشيئة الله تعالى، فإن شاء .. غفر له، وعفا عنه، وإن شاء .. عذّبه بقدر ذنوبه، ثم يدخله الجنة بفضله ورحمته، فالتوبة واجبة على كل أحد، وخوف العذاب مطلوب، فلعل الله تعالى يغفر مطلقًا، ولعله يعذّب ثم يعفو بعد ذلك، والله أعلم.

قال الشوكاني (?): وأما ما يزعمه جماعة من المفسرين، من تقيد هذه الآية بالتوبة، وأنها لا تغفر إلا ذنوب التائبين، وزعموا أنهم قالوا ذلك: للجمع بين الآيات .. فهو جمع بين الضب والنون، وبين الملاح والحادي، ولو كانت هذه البشارة العظيمة مقيدة بالتوبة .. لم يكن لها كثير موقع، فإن التوبة من المشرك يغفر الله له بها ما فعله من الشرك بإجماع المسلمين، وقد قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}. فلو كانت التوبة قيدًا في المغفرة لم يكن للتنصيص على الشرك فائدة، وقال سبحانه: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} انتهى.

وقال البروسوي في "الروح": واعلم (?): أن أهل السنة لم يشترطوا التوبة في غفران الذنوب مطلقًا؛ أي: سواء كانت كبائر أو صغائر، سوى الشرك. ودل عليه آثار كثيرة.

روي: أن الله تعالى يقول يوم القيامة لبعض عصاة المؤمنين: "سترتها عليك في الدنيا"؛ أي: الذنوب "وأنا أغفرها لك اليوم" فهذا وأمثاله يدل على المغفرة بلا توبة. والفرق بين الشرك وسائر المعصية: هو أن الكافر لا يطلب العفو والمغفرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015