فأنزل الله هذه الآية، ورآها أصحابه من أوسع الآيات في مغفرة الذنوب. انتهى. وعلى كل تقدير، فخصوص السبب لا ينافي عموم اللفظ، فدخل فيه كل مسرف.
واعلم (?): أن هذه الآية أرجى آيةٍ في كتاب الله سبحانه؛ لاشتمالها على أعظم بشارة، فإنه أولًا أضاف العباد إلى نفسه، لقصد تشريفهم ومزيد تبشيرهم، ثم وصفهم بالإسراف في المعاصي، والاستكثار من الذنوب، ثم عقّب ذلك بالنهي عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثرين من الذنوب، فالنهي عن القنوط للمذنبين غير المسرفين، من باب الأولى، وبفحوى الخطاب.
وبعد أن نهاهم عن القنوط .. أخبرهم بما يدفع ذلك ويرفعه، فيحل الرجاء مكانه، وجاء بما لا يبقى بعده شك، ولا يخالج القلب عند سماعه ظن، فقال: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَغْفِرُ الذُّنُوبَ}؛ أي: أفراد جنس الذنوب حال كونها، {جَمِيعًا} فالألف واللام فيه: لاستغراق أفراد الجنس؛ أي: إن الله سبحانه يغفر كل ذنب، كائنًا ما كان، إلا ما أخرجه النص القرآني، وهو الشرك بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
فيا لها من بشارةٍ ترتاح لها قلوب المؤمنين، المحسنين ظنهم بربهم، الصادقين في رجائه، الخالعين ثياب القنوط، البعيدين عن سوء الظن بمن لا يتعاظمه ذنب، ولا يبخل بمغفرته ورحمته على عباده، المتوجهين إليه في طلب العفو، الملتجئين به في مغفرة ذنوبهم.
ثم ذكر علة ذلك، فقال: {إِنَّهُ} سبحانه {هُوَ} وحده {الْغَفُورُ} بمحو ما يوجب العقاب عمن تاب {الرَّحِيمُ} بالتفضّل بالثواب له؛ أي: كثير المغفرة والرحمة، عظيمهما وبليغهما واسعهما، وصيغة (?) المبالغة: راجعة إلى كثرة الذنوب، وكثرة المغفور والمرحوم.
فمن أبى هذا الفضل العظيم، والعطاء الجسيم، وظن أن تقْنيط عباد الله، وتَأْيِيْسهم من رحمته، أولى بهم مما بشرهم الله به .. فقد ركب أعظم الشطط، وغلط أقبح الغلط، فإن التبشير هو الذي جاءت به نصوص الكتاب، وهو المسلك