وقد فعلت؛ أي: وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى، وما وظيفتك إلا البلاغ، وقد بلّغت أيّ بلاغ، وفي "فتح الرحمن" قوله: {فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ} قاله هنا بحذف فإنما يهتدي المذكور في يونس والإسراء، اكتفاءً بما ذكره بقوله قبل: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}، انتهى.
وفي الآية (?): إشارة إلى أنّ القرآن مذكّر جوار الحق للناس الذين نسوا الله وجواره، فمن تذكّر بتذكيره، واتَّعظ بوعظه، واهتدى بهدايته .. كانت فوائد الهداية راجعةً إلى نفسه، بأن تنوّرت بنور الهداية، فانمحى عنها آثار ظلمات صفاتها الحيوانيّة السبعية الشيطانية الموجبة لدخول النار. {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} فإنه يوكله إلى نفسه وطبيعته، فتغلب عليه الصفات الذميمة، فيكون حطب النار. {وَمَا أَنْتَ} يا محمد عليهم بوكيل تحفظهم من النار، إذا كان في استعدادهم الوقوع فيها.
وحاصل معنى الآية (?): إنّا أنزلنا إليك يا محمد القرآن بالحقّ؛ لتبلّغه للإنس والجنّ مبشّرًا برحمة الله، ومنذرًا بعقابه، وفيه مناط مصالحهم في معاشهم ومعادهم، والهادي لهم إلى الصراط المستقيم. {فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ}؛ أي: فمن عمل بما فيه واتّبعه .. فإنما بغى الخير لنفسه، إذ أكسبها رضا خالقها، وفاز بالجنة ونجا من النار. {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}؛ أي: ومن حاد عن البيان الذي بيناه لك، فضل عن المحجة .. فإنما يجور على نفسه، وإليها يسوق العطب والهلاك؛ لأنّه يكسبها سخط الله، وأليم عقابه في دركات الجحيم. {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} {وَمَا أَنْتَ} أيّها الرسول {عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}؛ أي: برقيب على من أرسلت عليهم ترقب أعمالهم، وتحفظ عليهم أفعالهم، إنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب، ونحو الآية قوله: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} وقوله: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)}.
وهذه الآيات منسوخة بآية السيف (?)، فقد أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا أن يقاتلهم حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويعملوا بأحكام الإِسلام.
42 - ثمّ ذكر سبحانه وتعالى نوعًا من أنواع قدرته البالغة، وصنعته العجيبة، فقال: