فهو غير متناه، وهذه فضيلة عظيمة، ومثوبة جليلة تقتضي أن على كل راغب في ثواب الله تعالى، وطامع فيما عنده من الخير، أن يتوفر على الصبر، ويزم نفسه بزمامه، ويقيدها بقيده، فإن الجزع لا يرد قضاء قد نزل ولا يجلب خيرًا قد سلب، ولا يدفع مكروهًا قد وقع، وإذا تصور العاقل هذا حق تصوره، وتعقله حق تعقله، علم أن الصابر على ما نزل به قد فاز بهذا الأجر العظيم، وظفر بهذا الجزاء الخطير، وغير الصابر قد نزل به القضاء شاء أم أبى، ومع ذلك فاته من الأجر ما لا يقادر قدره، ولا يبلغ مداه، فضم إلى مصيبته مصيبةً أخرى، ولم يظفر بغير الجزع، وفي الحديث: «أنه تنصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج، فيوفون بها أجورهم، ولا تنصب لأهل البلاء، بل يصب عليهم الأجر صبًا، حتى يتمنى أهل المعافاة في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض، مما يذهب به أهل البلاء من الفضل». وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: سمعت جدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أد الفرائض تكن من أعبد الناس، وعليك بالقنوع تكن من أغنى الناس، يا بني إن في الجنة شجرة يقال لها: شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء، فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، يصب عليهم الأجر صبًا». ثم تلا هذه الآية {إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ}.
وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أشد بلاءً؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه». فإن كان في دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه ذا رقة هوّن عليه، فما زال كذلك حتى يمشي على الأرض كمن ليس له ذنب، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله .. ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله»، وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل، إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي، فله الرضى، ومن سخط فله السخط، وقال يوسف بن الحسين: ليس بصابر من يتجرع المصيبة، ويبدي فيها الكراهة، بل الصابر من يتلذذ بصبره، حتى يبلغ به إلى مقام الرضا.
11 - وروى مقاتل: أن كفار قريش، قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما يحملك على الذي أتيتنا به، ألا تنظر إلى ملة آبائك وسادات قومك، يعبدون اللات والعزى، فتأخذ بتلك