قل لهم: ربكم يقول: أطيعوا ربكم في الصغير والكبير من الأمور، وفيه تشريف لهم بإضافتهم إلى ضمير الجلالة، فإنه أصله: يا عبادي بالياء، حذفت اكتفاءً بالكسرة.
والمعنى: {اتَّقُوا رَبَّكُمْ}؛ أي: دوموا، واثبتوا على تقوى ربكم؛ لأن بالإيمان حصلت التقوى عن الكفر والشرك، أو اتقوا عذابه وغضبه باكتساب طاعته، واجتناب معصيته، أو اتقوا به عما سواه، حتى تخلصوا من نار القطيعة، وتفوزوا بوصاله ونعيم جماله.
ثم لما أمر الله سبحانه المؤمنين بالتقوى، بيّن لهم ما في هذه التقوى من الفوائد، فقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا}؛ أي: للذين عملوا الأعمال الحسنة على وجه الإخلاص. خبر مقدم {فِي هذِهِ الدُّنْيا} متعلق بأحسنوا {حَسَنَةٌ} عظيمة ومثوبة كبيرة في الآخرة، لا يعرف كنهها، مبتدأ مؤخر. وهي الجنة، والشهود؛ لأن جزاء الإحسان الإحسان، والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك، فالمحسن هو المشاهد، وبمشاهدة الله يغيب ما سوى الله تعالى، فلا يبقى إلا هو، وذلك حقيقة الإخلاص، وأما غير المحسن، فعلى خطر لبقائه مع ما سوى الله تعالى، فلا يأمن من الشرك والرياء القبيح، ومن كان عمله قبيحًا لم يكن جزاؤه حسنًا، وقيل: {فِي هذِهِ الدُّنْيا} متعلق بـ {حَسَنَةٌ} على أنه بيان لمكانها، فيكون المعنى: للذين أحسنوا في العمل حسنة في الدنيا بالصحة، والعافية، والظفر، والغنيمة، والأول أولى.
وحاصل المعنى: أي لمن أحسن في هذه الدار، وعمل صالح الأعمال، وزكى نفسه فيها، حسنة من صحة وعافية، ونجاح في الأعمال، التي يزاولها كفاء ما يتحلى به، من تمسك بآداب الدين واتباع فضائله، وحسنة في الآخرة، فيتمتع بجنات النعيم ورضوان الله عنه {وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}.
ثم لما كان بعض العباد قد يتعسر عليه فعل الطاعات، والإحسان في وطنه، أرشد الله سبحانه، من كان كذلك إلى الهجرة من مكة إلى المدينة،