ضر الدنيا ويرجو خيرها فقط كالكافر؛ أي: حالة كونه يخاف عذاب الآخرة ويرجو جنة ربه، فينجو مما يخافه ويفوز بما يرجوه، ودلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الخوف والرجاء، يرجو رحمة ربه لعمله، ويخاف عذابه لتقصيره في عمله، ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون آمنا، والخوف إذا جاوز حده يكون يائسا، وكل منهما كفر، فوجب أن يعتدل كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا»، وما اجتمعا في قلب رجل إلا فاز.
ثم أمر الله سبحانه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أن يقول لهم قولًا آخر، يتبين به الحق من الباطل، فقال: {قُلْ} يا محمد بيانًا للحق، وتنبيهًا على شرف العلم والعمل: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} حقائق الأعمال، فيعملون بموجب علمهم، كالقانت المذكور {وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} ما ذكر، فيعملون بمقتضى جهلهم وضلالهم، كالكافر المذكور، أو الذين (?) يعلمون أن ما وعد الله به من البعث والثواب والعقاب حق، والذين لا يعلمون ذلك، أو الذين يعلمون ما أنزل الله على رسله والذين لا يعلمون ذلك، أو المراد: العلماء، والجهال، ومعلوم عند كل من له عقل، أنه لا استواء بين العلم والجهل، ولا بين العالم والجاهل، وقال الزجاج؛ أي: كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. وقيل: المراد بالذين يعلمون: هم العاملون بعلمهم، فإنهم المنتفعون به؛ لأن من لم يعمل بمنزلة من لم يعلم، والاستفهام فيه للتنبيه على كون الأولين في أعلى معارج الخير، وكون الآخرين في أقصى مدارج الشر، وفي «بحر العلوم»: الفعل منزل منزلة اللازم، ولم يقدر له مفعول؛ لأن المقدر كالمذكور. والمعنى: لا يستوي من يوجد فيه حقيقة العلم ومن لم يوجد.
وعبارة المراغي هنا (?): أي قل أيها الرسول لقومك: هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في طاعة ربهم من الثواب، وما عليهم في معصيتهم إياه من عقاب، والذين لا يعلمون ذلك؟ فهم يخبطون خبط عشواء، لا يرجون بحسن