ثم علل ذلك بقوله: {إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ في الآخرة}؛ أي: من ملازميها، والمعذبين فيها على الدوام، وهو تعليل لقلة التمتع، وفيه من الإقناط من النجاة ما لا يخفى كأنه قيل: وإذ قد أبيت قبول ما أمرت به، من الإيمان والطاعة، فمن حقك أن تؤمر بتركه لتذوق عقوبته.
والمعنى (?): أي وإذا أصاب الكافر بلاء في جسده، أو شدة في معيشته، أو خوف على حياته .. استغاث بربه الذي خلقه، ورغب إليه في كشف ما نزل به، تائبا إليه مما كان عليه من قبل ذلك من الكفر به، وإشراك الآلهة والأوثان في عبادته، ثم إذا منحه نعمة منه فأزال ما به من ضر، وأبدله بالسقم صحة وبالشدة رخاء .. ترك دعاءه الذي كان يدعوه من قبل، أن يكشف ما كان به من ضر، فجعل لله شركاء، وأضل الناس، ومنعهم من توحيده والإقرار به، والدخول في الإسلام له، ثم أوعده، وهدده فقال: {تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ...} إلخ؛ أي: قل أيها (?) الرسول لمن فعل ذلك: تمتع بما أنت فيه من زخرف الدنيا ولذاتها، منصرفًا عن النظر إلى أدلة التوحيد، التي أوجدها الله سبحانه في الأكوان، وجعلها في نفس الإنسان زمنًا قليلًا إلى أن تستوفي أجلك، وتأتيك منيتك، ثم أنت بعد ذلك من أصحاب النار المخلدين فيها أبدًا.
9 - ثم لما ذكر سبحانه صفات المشركين، وتمسكهم بغير الله عند اندفاع المكروهات عنهم .. ذكر صفات المؤمنين، فقال: {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ} إلخ، وهذا إلى آخره، من تمام الكلام المأمور به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و {أَمَّنْ} بالتشديد، على أن أصله: أم من هو قانت، وهي إما متصلة حذف معادلها، والمعنى: قل له يا محمد: أأنت أيها المشرك أحسن حالًا ومآلًا، أم من هو قانت وعابد لربه، قائم بأداء الطاعات {آناءَ اللَّيْلِ} ودائب على وظائف العبادات في ساعات الليل أوله، وآخره، ووسطه التي تكون فيها العبادة أشق على النفوس، وأبعد عن