على هذا، وهذا على هذا، وهو مقارب للقول الأول، وقيل معنى الآية: أن ما نقص من الليل دخل في النهار، وما نقص من النهار دخل في الليل، وهو معنى قوله: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ}، أو يجعل كلًا منهما كارًا على صاحبه كرورًا، متتابعًا تتابع أكوار العمامة بعضها على بعض، وفي التكوير المذكور في الآية إشارة إلى جريان الشمس والقمر في مطالعهما، وانتقاص الليل والنهار، وازديادهما. قال الرازي: إن النور والظلمة عسكران عظيمان، وفي كل يوم يغلب هذا ذاك وذاك هذا.

ومعنى الآية (?): أي خلق هذا العالم العلوي، على ما فيه من بديع الصنع، من شموس وأقمار، تكوّن الليل والنهار، والعالم السفلي، المشتمل على المواليد الثلاثة، من حيوان ونبات وجماد، وسخر كل ما فيه ظاهرًا وباطنًا، لانتفاع الإنسان في سبل معايشه، إذا استعمل عقله، واستخدم فكره في استنباط مرافقه، خلقهما على أكمل وجه وأبدع نظام، قائمين على الحق والصواب والحكم والمصالح، وبعد أن أبان أنه خلقهما ذكر سبيل تصرفه فيهما، فقال: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ} إلخ؛ أي: يغشي كلًا منهما الآخر، كأنه يلفه عليه لف اللباس على اللابس، أو يجعلهما في تتابعهما، أشبه بتتابع أكوار العمامة، بعضها على بعض، ألا ترى إلى الأرض وقد دارت حول نفسها، وهي مكوّرة، فأخذ النهار الحادث من مقابلتها للشمس، يسير من الشرق إلى الغرب، ويلف حولها طاويًا الليل، والليل من الجهة الأخرى يلتف حولها طاويًا النهار، فالأرض كالرأس، والظلام والضياء يتتابعان تتابع أكوار العمامة، ويلتفان متتابعين حولها، وفي (?) هذا إيماء إلى كروية الأرض أولًا، وإلى دورانها حول نفسها ثانيًا. فتكوير الأرض ظاهر الآية، ودورانها أتى تابعًا بالرمز والإشارة.

{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}؛ أي: جعلهما، وهما وسيلتا الليل والنهار، منقادين لأمره تعالى بالطلوع والغروب لمنافع العباد، فأكثر منافع العباد مرتبطة بهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015