رأسه إلا لصلاة مكتوبة، أو لما لا بد منه، ولا يرقأ دمعه، حتى نبت منه العشب حول رأسه، ولا يشرب ماء إلا ثلثاه دمع، وجهد نفسه راغبًا إلى الله في العفو عنه، حتى كاد يهلك، واشتغل بذلك عن الملك، حتى وثبت ابن له، يقال له: إيشا على ملكه، فاجتمع إليه أهل الزيغ من بني إسرائيل. فلما نزلت توبته بعد الأربعين، وغفر له حاربه، فهزمه، وقد قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: «إذا بويع لخليفتين»؛ أي: لأحدهما أولًا، وللآخر بعده «فاقتلوا الآخر منهما». لأنه كالباغي. هذا إذا لم يندفع إلا بقتله.
قال ابن الأنباري: الوقف على قوله: {فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ} تام، ثم يبتدىء الكلام بقوله: {وَإِنَّ لَهُ}؛ أي: لداود {عِنْدَنا لَزُلْفى}؛ أي: لقربة وكرامة بعد المغفرة، كما وقع لآدم عليه السلام. {وَحُسْنَ مَآبٍ}؛ أي: ومآبًا حسنًا؛ أي: مرجعًا طيبًا. هو الجنة. وفي «كشف الأسرار»: يعني الجنة هي مآب الأنبياء، والأولياء.
26 - ولما تمم الله سبحانه، قصة داود، أردفها ببيان تفويض أمر خلافة الأرض إليه. والجملة مقولة لقول مقدر معطوف على {غفرنا}؛ أي: فغفرنا له ذلك، وقلنا له: {يا داوُدُ إِنَّا} استخلفناك على الأرض أو {جَعَلْناكَ خَلِيفَةً} لمن قبلك من الأنبياء لتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر. والخلافة (?): النيابة عن الغير إما لغيبة المنوب عنه، وإما لموته، وإما لعجزه، وإما لتشريف المستخلف. وعلى هذا الوجه الأخير، استخلف الله أولياءه في الأرض، إذ الوجوه الأول محال في حق الله تعالى، فالخليفة عبارة عن الملك النافذ الحكم، وهو من كان طريقته وحكومته على طريقة النبي وحكومته، والسلطان أعم، والخلافة في خصوص مرتبة الإمامة أيضًا أعم.
والمعنى: استخلفناك على الملك في الأرض، والحكم فيما بين أهلها؛ أي: جعلناك أهل تصرف نافذ الحكم في الأرض، كمن يستخلفه بعض السلاطين