العلم النافع، والإتقان للعمل. فهو لا يقدم على عمل، إلا إذا عرف موارده، ومصادره مباديه، وغاياته على نحو ما قال الشاعر:
قَدِّرْ لِرِجْلِكَ قَبْلَ الْخَطْوِ مَوْضِعَهَا ... فَمَنْ عَلَا زَلَقًا عَنْ غِرَّةٍ زَلَجَا
أو العلم للأشياء على ما هي عليه، والعمل بمقتضاه، إن كان متعلقًا بكيفية العمل، واعلم: أن الحكمة نوعان:
أحدهما: الحكمة المنطوق بها، وهي علم الشريعة.
والثاني: الحكمة المسكوت عنها، وهي أسرار الحقيقة التي لا يطلع عليها عوام العلماء، على ما ينبغي، فيضرهم أو يهلكهم، كما روي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجتاز في بعض سكك المدينة مع أصحابه، فأقسمت عليه امرأة أن يدخلوا منزلها، فدخلوه فرأوا نارًا موقدة، وأولاد المرأة يلعبون حولها، فقالت: يا نبي الله، الله أرحم بعباده، أم أنا بأولادي؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بل الله أرحم، فإنه أرحم الراحمين». فقالت: يا رسول الله، أتراني أحب أن ألقي ولدي في النار؟ فقال: «لا» فقالت: فكيف يُلقي الله عبيده فيها، وهو أرحم الراحمين بهم؟. قال الراوي: فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «هكذا أوحي إلي».
4 - {وَفَصْلَ الْخِطابِ}؛ أي: الخطاب الفاصل بين الحق والباطل، والكلام المبين للحق، أو الخطاب المفصول؛ أي: الكلام الملخص المبين الذي ينبه المخاطب على المرام من غير إلباس، فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، والفصل إما بمعنى الفاعل أو المفعول أو الإفصاح، والبيان في الخطاب والكلام؛ أي: البيان بحقيقة الأمر، وقطع القضايا والأحكام باليقين من غير ارتياب، ولا شك، ولا توقف، فيكون بمعنى فصل الخصام بتبيين الحق وتمييزه من الباطل، والفصل على حقيقته، وأريد بالخطاب: المخاصمة لاشتمالها عليه.
والمعنى (?): أي وألهمناه حسن الفصل في الخصومات بما يستبين به وجه الحق بلا جنف، ولا ميل مع الهوى، وهذا يحتاج إلى فضل كبير في العلم،