كذاب. وما في {ق} متصل بما قبله اتصالًا لفظيًا ومعنويًا، وهو أنهم عجبوا عقب الإخبار عنهم بأنهم عجبوا، فقالوا: هذا شيء عجيب. فناسب فيه ذكر الفاء دون ما هنا، انتهى.
وحاصل معنى قوله: {وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ ...} إلى آخر الآيتين؛ أي: وما (?) كان أشد تعجبهم حين جاءهم بشر مثلهم يدّعي النبوة، ويدعو إلى الله، وليس له من الصفات الباطنة والظاهرة في زعمهم، ما يجعله يمتاز عنهم، ويختص بهذا المنصب، وتلك المنزلة الرفيعة. ومن ثم قالوا: ما هو إلا خدّاع كذّاب فيما ينسبه إلى الله من الأوامر والنواهي. ثم ذكر شبهتهم في إثبات كذبه من وجوه ثلاثة:
1 - {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهًا واحِدًا ...} إلخ؛ أي: أزعم أن المعبود إله واحد لا إله إلا هو. وقد أنكروا ذلك، وتعجبوا من ترك الشرك بالله، من أجل أنهم تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان، وأشربته قلوبهم، فلما دعاهم إلى محو ذلك من قلوبهم، وإفراد الإله بالوحدانية أعظموا ذلك، وتعجبوا منه، وقالوا: إن آباءهم على كثرتهم ورجاحة عقولهم، لا يعقل أن يكونوا جاهلين مبطلين، ويكون محمد - صلى الله عليه وسلم - وحده محقًا صادقًا. ولا شك أن هذا استبعاد فحسب، ولا مستند له من عقل ولا نقل.
ونحو الآية قوله تعالى: {أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2)}. وقد قدمنا في مبحث الأسباب، سبب نزول هذه الآية.
6 - {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ}؛ أي: وذهب الأشراف من قريش، وهم خمسة وعشرون نفرا عن مجلس أبي طالب. بعدما أسكتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجواب الحاضر، وشاهدوا تصلبه - صلى الله عليه وسلم - في الدين، وعزيمته على أن يظهره على الدين كله، ويئسوا مما كانوا يرجونه، بتوسط أبي طالب من المصالحة، على الوجه المذكور