وفيه (?): حث على إكثار الذكر، وتعظيم لشأنه، وإشارة إلى أن خلاص يونس القلب إذا التقمه حوت النفس لا يكون إلا بملازمة ذكر الله تعالى، ومن أقبل عليه في السراء أخذ بيده عند الضراء. والعمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر، وإذا صرع يجد متكأً.
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «سبح يونس في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: ربنا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة، فقال تعالى: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في يوم وليلة عمل صالح، قال: نعم. فشفعوا له، فأمر الحوت فقذفه بالساحل في أرض نصّبين» وهي بلدة قاعدة ديار ربيعة. وذلك قوله تعالى: {فَنَبَذْناهُ}.
وحاصل المعنى (?): أي وإن يونس لرسول من ربه إلى قومه أهل نينوى بالموصل، حين هرب إلى الفلك المملوء بغير إذن ربه، فقارع أهل الفلك فكان من المغلوبين في القرعة؛ أي: فاقترعوا فخرجت القرعة عليه، فقال: أنا الآبق، وألقى نفسه في الماء، فالتقمه الحوت. وهو فاعل ما يلام عليه من الهجرة بغير إذن ربه. وقد كان عليه أن يصبر على أذى قومه كما صبر أولو العزم من الرسل، فلولا أنه كان من الذاكرين الله كثيرًا، والمسبحين بحمده طوال عمره للبث ميتًا في بطنه إلى يوم البعث. إذ كان يهضم كبقية أنواع الطعام، ويتحول إلى غذاء له كسائر أنواع الأغذية التي يأكلها.
145 - {فَنَبَذْناهُ}؛ أي: فألقينا يونس من بطن الحوت {بِالْعَراءِ}؛ أي: بالمكان الخالي عما يغطيه من شجر أو نبت؛ أي: أمرنا الحوت، وحملناه على لفظه، ونبذه، ورميه بالمكان الخالي {وَهُوَ سَقِيمٌ}؛ أي: والحال أن يونس عليل البدن من أجل ما ناله في بطن الحوت من ضعف بدنه، فصار كبدن الطفل ساعة يولد، لا قوة له، أو بلي لحمه ونتف شعره، حتى صار كالفرخ ليس عليه شعر وريش،