المجاز تصويرًا لقبحه، فإنه عبد الله فكيف يفر بغير الإذن وإلى أين يفر والله محيط به، وقد صح أنه لا يقبل فرض الآبق ولا نفله حتى يرجع، فإذا كان الأدنى مأخوذا بزلة فكيف الأعلى؟.
{إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}؛ أي: إلى السفينة المملوءة من الناس، والدواب، والمتاع. ويقال: إلى الفلك المجهز الذي فرغ من جهازه. روي: أن يونس لما دخل السفينة، وتوسطت البحر احتبست عن الجري، ووقفت، وكان ذلك بدجلة؛ لأنه أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل. فقال الملاحون: هنا عبد أبق من سيده، وهذا رسم السفينة إذا كان فيها عبد آبق لا تجري. وقال الإمام: فقال الملاحون: إن فيكم عاصيًا وإلا لم يحصل في السفينة ما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر. وقال التجار: قد جربنا مثل هذا، فإذا رأينا نقترع فمن خرج سهمه نرميه في البحر، لأن غرق الواحد خير من غرق الكل. فاقترعوا ثلاث مرات، فخرجت القرعة على يونس في كل مرة،
141 - وذلك قوله تعالى: {فَساهَمَ}؛ أي: فتساهموا. فساهم يونس واقترع؛ أي: خرجت عليه القرعة. والمفهوم من تفسير الكاشفي: أن الضمير في {ساهم} إلى يونس. والسهم: ما يرمى به من القداح ونحوه. وقيل: الضمير إلى القوم، والمعنى: فقارع أهل الفلك من الآبق، وألقوا السهام على وجه القرعة، فخرجت قرعة الرمي على يونس {فَكانَ} يونس {مِنَ الْمُدْحَضِينَ}؛ أي: فصار من المغلوبين. وأصل المدحض: المزلق: عن مقام الظفر والغلبة. ومنه قول الشاعر:
قَتَلْنَا المُدحِضِيْنَ بِكُلِّ فَجٍّ ... فَقَد قَرَّتْ بِقَتلِهِمُ الْعُيُوْنُ
أي: قتلنا المغلوبين.
142 - ولما خرجت القرعة على يونس قال: أنا العبد الآبق، أو يا هؤلاء أنا والله العاصي، فتلفف في كسائه، ثم قام على رأس السفينة، فرمى بنفسه في البحر. {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ}؛ أي: فابتلعه الحوت العظيم. وقال في «كشف الأسرار»: فصادفه حوت جاء من قبل اليمن، فابتلعه فسفل به إلى قرار الأرضين حتى سمع تسبيح الحصى. وقوله: {وَهُوَ مُلِيمٌ} حال من مفعول {فَالْتَقَمَهُ}؛ أي: داخل في