{وَكُلٌّ} والتنوين فيه عوض عن المضاف إليه، الذي هو الضمير العائد إلى الشمس والقمر؛ أي: وكلهم؛ أي: وكل من الشموس والأقمار. والجمع باعتبار التكاثر العارض لهما بتكاثر مطلعهما، فإنّ اختلاف الأحوال يوجب تعددا ما في الذات، أو العائد إلى الكوكب فإن ذكرهما مشعر بها. {فِي فَلَكٍ} مخصوص معين من الأفلاك السبعة. والفلك: مجرى الكواكب ومسيرها، وتسميته بذلك لكونه كالفلك؛ أي: فلك المغزل. وقال الشوكاني: والفلك: هو الجسم المستدير أو السطح المستدير أو الدائرة. والخلاف في كون السماء مبسوطة أو مستديرة معروف. والجار والمجرور متعلق بـ {يَسْبَحُونَ}؛ أي: كل من الشموس والأقمار أو كل من الكواكب السيارة يسيرون في فلك خاص به، وهو سماء الدنيا للقمر، والرابعة للشمس. والمعنى: يسيرون بانبساط وسهولة، لا مزاحم لهم سير السابح في سطح الماء. وجوز التعبير عنهم بضمير العقلاء، نسبة السباحة التي هي من أوصاف العقلاء إليهم.
فائدة: قال في «فتح الرحمن»: إن قلت: كيف نفى الله تعالى الإدراك للقمر عن الشمس، دون عكسه في قوله: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ}؟
قلت: لأن سير القمر أسرع؛ لأنه يقطع فلكه في شهر، والشمس لا تقطع فلكها إلا في سنة، فكانت جديرةً بأن توصف بنفي الإدراك لبطء سيرها، والقمر خليقا بأن يوصف بالسبق لسرعة سيره.
41 - ثم ذكر سبحانه وتعالى نوعًا آخر مما امتن به على عباده من النعم، فقال: {وَآيَةٌ لَهُمْ}؛ أي: علامة عظيمة لأهل مكة، أو لكفار العرب أو للكفار على الإطلاق، الكائنين في عصر محمد عليه السلام، على كمال قدرتنا. وهو خبر مقدم لقوله: {أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ}؛ أي: أنا حملنا أولادهم الكبار الذين يبعثونهم إلى تجاراتهم {فِي الْفُلْكِ}؛ أي: في السفينة. وهو ههنا مفرد بدليل وصفه بقوله: {الْمَشْحُونِ}؛ أي: المملوء منهم ومن غيرهم أو المعنى: حملنا صبيانهم ونساءهم الذين يستصحبونهم. وتخصيص الذرية بمعنى الضعفاء الذين يستصحبونهم في سفر البحر، مع أن تسخير البحر والفلك نعمة في حق أنفسهم أيضًا، لما أن