القمر قدرناه، والقمر مفعول أول لقدرنا. وقوله: {مَنازِلَ} مفعول ثان له، لأن {قدرنا} بمعنى: صيرنا، فيتعدى إلى مفعولين؛ أي: صيّرنا القمر وعيّنا له منازل، ومواضع من الأبراج ينزل فيها كل ليلة. ويجوز انتصاب {مَنازِلَ} على الظرفية، والكلام حينئذ على حذف مضاف؛ أي: وقدرنا سير القمر في منازل من الأبراج، أو على الحال؛ أي: وقدرنا سيره حال كونه ذا منازل ومواضع ينزل فيها.
وتلك المنازل معروفة عند العرب. وهي ثمان وعشرون، ينزل القمر كل ليلة، في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستو، لا بتفاوت يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين. ثم يتقوس، ويدق، ويستتر ليلتين، إن كان الشهر ثلاثين أو ليلة، إن كان تسعًا وعشرين. وهذه (?) المنازل، هي مواقع النجوم، التي نسبت إليها العرب الأنواء، المستمطرة أربعة عشر منها شامية، وأربعة عشر منها يمانية. أولها: الشرطين، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرقة، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعواء، والسماك وهو آخر الشامية. والغفر، والزبانان، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، والسعد الذابح، والسعد البلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، ومقدم الدلو، ومؤخر الدلو، والحوت وهو آخر اليمانية. وهذه المنازل مقسومة على الاثني عشر برجًا، كما استوفينا الكلام عليها في أوائل سورة يونس.
فإذا كان في آخر منازله دق، واصفر، واستقوس {حَتَّى عادَ} وصار في التقوس {كَالْعُرْجُونِ}؛ أي: مثل العذق {الْقَدِيمِ}؛ أي: العتيق الذي مر عليه حول. قال الزجاج: العرجون: هو عود العذق، الذي فيه الشماريخ اليابس المنحني، شبه به الهلال إذا انحنى وتقوس. والعذق بالكسر في النخل، بمنزلة العنقود في الكرم. وقال ابن الشيخ: حتى صار القمر في آخر الشهر وأول الشهر