لا يَعْلَمُونَ} من أصناف (?) خلقه في البر، والبحر، والسماء والأرض. ثم يجوز أن يكون ما يخلقه لا يعلمه البشر، ويعلمه الملائكة، ويجوز أن لا يعلمه مخلوق. ويقال: دواب البحر والبر، ألف صنف لا يعلم الناس أكثرها. فبين الأزواج بهذه الأمور الثلاثة، التي لا يخرج عنها شيء من أصناف المخلوقات، وغيره تعالى، لم يخلق شيئًا منها. وإنما ذكر (?) الله تعالى كون الكل مخلوقًا، لينزه الله تعالى عن الشريك. فإن المخلوق لا يصلح شريكا للخالق، والتوحيد الحقيقي، لا يحصل إلا بالاعتراف بأن لا إله إلا الله، فلا تشركوا بالله شيئًا، مما تعلمون ومما لا تعلمون.

قال في «بحر العلوم»: ويجوز أن يكون معنى {مِمَّا لا يَعْلَمُونَ}: مما لا يدركون كنهه مما خلق من الأشياء كالثواب والعقاب، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «أربع لا تدرك غايتها: شرور النفس، وخداع إبليس، وثواب أهل الجنة، وعقاب أهل النار». ومنه الروح، فإنه ما بلغنا أن الله تعالى أطلع أحدًا على حقيقة الروح. وفي الآية (?) إشارة إلى أنه ما من مخلوق إلا وقد خلق شفعًا، إذ الفردية من أخص أوصاف الربوبية، كما قال عبد العزيز المكي رحمه الله تعالى: خلق الأزواج كلها، ليستدل بذلك، إلى أن خالق الأشياء منزه عن الزوج، وإلى أن في كل شيء دليلا على وجوده تعالى، ووحدته، وكمال قدرته. قال أبو العتاهية:

فيا عجبًا كيف يعصي الإله ... أم كيف يجحده الجَاحِدُ

ولله فِي كُلٍّ تحريكةٍ ... وتسكينة أبدًا شَاهِدُ

وَفيْ كُلٍّ شَيْءٍ لهُ آيةٌ ... تدلُّ على أَنِّهُ وَاحِدُ

ومعنى الآية (?): أي تنزيهًا لمن خلق هذه الأنواع كلها من الزرع والثمار ومختلف النبات، وخلق من أولادهم ذكورًا وإناثًا، وخلق مما لا يعلمون من الأشياء، التي لم يطلعهم عليها، ولم يجعل لهم طريقًا إلى معرفتها تفصيلًا، بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015