ومعنى الشرط إن اتفق ذلك، أي: وجد اتفاقًا، ولكن ليس ذلك بواجب عليك بحيث يلزمك قبول ذلك، بل مقيَّد بإرادتك، ولهذا قال: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ} - صلى الله عليه وسلم - {أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا}؛ أي: أن يجعلها منكوحة له، ويتملك بضعها بتلك الهبة لا بمهر ابتداءً وانتهاءً، وهذا شرط للشرط الأول في استيجاب الحل، فإن هبتها نفسها منه لا توجب له حلها إلا بإرادته نكاحها، فإنها جارية مجرى القبول.
وقيل (?): إنه لم ينكح النبي - صلى الله عليه وسلم - من الواهبات أنفسهن أحدًا، ولم يكن عنده منهن شيء، وقيل: كان عنده منهن خولة بنت حكيم، كما في "صحيح البخاري" عن عائشة. وقال قتادة: هي ميمونة بنت الحارث، وقال الشعبي: هي زينب بنت خزيمة الأنصارية أم المساكين، وقيل غير ذلك.
ثم بين سبحانه أن هذا النوع من النكاح خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يحل لغيره من أمته فقال: {خَالِصَةً لَكَ} إما حال من فاعل {وَهَبَتْ}، قاله الزجاج. أي: حالة كون تلك الواهبة خالصة لك، وخاصة بك. {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} فإن الإحلال للمؤمنين إنما يتحقق بالمهر، أو بمهر المثل إن لم يسم عند العقد، ولا يتحقق بلا مهر أصلًا، أو مصدر مؤكد لعامله المحذوف كالكاذبة؛ أي: خلص لك إحلال المرأة المؤمنة الواهبة خالصةً؛ أي: خلوصًا.
وقرأ الجمهور (?): {وَامْرَأَةً} بالنصب {إِنْ وَهَبَتْ} بكسر الهمزة؛ أي: أحللناها لك إن وهبت. وقرأ أبو حيوة: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} بالرفع على الابتداء، والخبر محذوف؛ أي: أحللناها لك. وقرأ أبي والحسن والشعبي وعيسى وسلام: {أن وهبت} بفتح الهمزة على تقدير لام العلة؛ أي: لأن وهبت، أو على أنه بدل من امرأة بدل اشتمال، وذلك حكم في امرأة بعينها، فهو فعل ماض.
وقراءة الكسر استقبال في كل امرأة كانت تهب نفسها دون واحدة بعينها. وقرأ زيد بن علي: {إذ وهبت} ظرف لما مضى، فهو في امرأة بعينها. وقرأ الجمهور: {خَالِصَةً} بالنصب، فهو مصدر مؤكد كوعد الله، وصبغة الله؛ أي: أخلص لك إخلاصًا، فأحللنا لك خالصةً بمعنى خلوصًا، ويجيء المصدر على فاعل وفاعلة،