سمع كلمات الحق لمعزولون، فتضيع أوقاتك، ويزيد إنكارهم.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} في كل شؤونك، واعتمد عليه في أمورك خصوصًا في هذا الشأن، فإنه تعالى يكفيكهم، والعاقبة لك. {وَكَفَى بِاللَّهِ} سبحانه لمن استكفاه من جهة كونه {وَكِيلًا}؛ أي: موكولًا إليه الأمور في كل الأحوال، فهو فعيل بمعنى: المفعول، تمييز من فاعل كفى، وهو الله؛ إذ الباء صلة، والتقدير: وكفى الله من جهة الوكالة، فإن أهل الدارين لا يكفي كفاية الله فيما يحتاج إليه، فمن عرف أنه تعالى هو المتكفل بمصالح عباده، والكافي لهم في كل أمر .. اكتفى به في كل أمره، فلم يدبر معه، ولم يعتمد إلا عليه.
روي: أن الحجاج بن يوسف سمع ملبيًا يلبي حول البيت، رافعًا صوته بالتلبية، وكان إذ ذاك بمكة فقال: على بالرجل، فأتي به إليه، فقال: ممن الرجل؟ قال: من المسلمين، فقال: ليس عن الإِسلام سألتك، قال: فعمَّ سألت؟ قال: سألتك عن البلد، قال: من أهل اليمن، قال: كيف تركت محمد بن يوسف؟ - يعني: أخاه - قال: تركته عظيمًا جسيمًا لباسًا ركابًا خراجًا ولاجًا. قال: ليس عن هذا سألتك، قال: فعمَّ سألت؟ قال: سألتك عن سيرته، قال: تركته ظلومًا غشومًا، مطيعًا للمخلوق، عاصيًا للخالق. فقال له الحجاج: ما حملك على هذا الكلام، وأنت تعلم مكانه منى؟ قال: أترى مكانه منك أعز منى بمكاني من الله، وأنا وافد بيته، مصدِّق نبيه، فسكت الحجاج، ولم يحسن جوابًا، وانصرف الرجل من غير إذن، فتعلق بأستار الكعبة، وقال: اللهم بك أعوذ وبك ألوذ، اللهم فرجك القريب، ومعروفك القديم، وعادتك الحسنة، فخلص من يد الحجاج بسبب توكله على الله في قوله الخشن، وبعدم إطاعته وانقياده للمخلوق.
ومعنى الآية: أي ولا تطع (?) يا محمد قول كل كافر ولا منافق في أمر الدعوة، وألن الجانب في التبليغ، وارفق في الإنذار، واصفح عن آذاهم، واصبر على ما ينالك منهم، وفوِّض أمورك إلى الله، وثقْ به، فإنه كافيك جميع من دونك حتى يأتيك أمره وقضاؤه، وهو حسبك في جميع أمورك، وكالؤك وراعيك.