تبليغ ما أمروا به {أَحَدًا} من خلقه؛ أي: تعيير أحدا, ولا لومه {إِلَّا اللَّهَ} سبحانه، وفي وصفهم بقصرهم الخشية على الله تعريض (?) بما صدر عنه - صلى الله عليه وسلم - من الاحتراز من لائمة الخلق بعد التصريح في قوله: {وَتَخْشَى النَّاسَ ...} الآية. مدحهم سبحانه بتبليغ ما أرسلهم به إلى عباده، وخشيته في كل فعل وقول، ولا يخشون سواه، ولا يبالون بقول الناس، ولا بتعييرهم، بل خشيتهم مقصورة على الله سبحانه.
والمعنى (?): أي هؤلاء الذين جعل محمد متبعًا سنتهم، وسالكًا سبيلهم، هم الذين يبلِّغون رسالات ربهم إلى من أرسلوا إليهم، ويخافون الله في تركهم تبليغ ذلك، ولا يخافون سواه.
والخلاصة: كن من أولئك الرسل الكرام، ولا تخشَ أحدًا غير ربك، فإنه يحميك ممن يريدك بسوءٍ، أو يمسك بأذى.
قال بعضهم: خشية الأنبياء من العتاب، وخشية الأولياء من الحجاب، وخشية عموم الخلق من العذاب. اهـ. وفي "الأسئلة المقحمة": كيف قال سبحانه: {وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}، ومعلوم أنهم خافوا غير الله، وقد خاف موسى عليه السلام حين قال: {لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}، وكذلك قال يعقوب عليه السلام: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ}، وكذلك خاف نبينا - صلى الله عليه وسلم - حين قيل له: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، وكذلك أخبر الكتاب عن جماعة من الأنبياء أنهم خافوا أشياء غير الله؟
والجواب: أن معنى الآية: لا يعتقدون أنَّ شيئًا من المخلوقات يستقل بإضرارهم، ويستبد بإيذائهم دون إرادة الله ومشيئته؛ لما يعلمون أن الأمور كلها بقضاء الله وقدره، فأراد بالخوف هنا خوف العقيدة والعلم واليقين، لا خوف البشرية الذي هو من الطباع الخلقية، وخواص البشرية، ونتائج الحيوانية.
{وَكَفَى بِاللَّه} سبحانه {حَسِيبًا}؛ أي: محاسبًا لعباده على أعمالهم، فينبغي أن يحاسب العبد نفسه قبل محاسبة الله إياه، ولا يخاف غير الله، لا في أمر النكاح، ولا في غيره، إذا علم أن رضي الله وحكمه فيه.