قال الحكيم الترمذي - رحمه الله -: خص الله الإنس من بين الحيوان، ثم خص المؤمنين من بين الإنس، ثم خص الرجال من المؤمنين، فقال: {رِجَالٌ صَدَقُوا} فحقيقة الرجولية الصدق، ومن لم يدخل في ميادين الصدق .. فقد خرج من حدّ الرجولية.
وقوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى} ووفى نحبه ونذره فاستشهد بعض يوم بدر، وبعض يوم أحد، وبعض في غير هذه المواطن، كحمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وأنس بن النضر. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} قضاء نذره ووفاءه والقتل في سبيله؛ لكون موقنًا كعثمان وطلحة وغيرهما، فإنهم على نذووهم وقد قضوا بعضها، وهو الثبات مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والقتال إلى حين نزول الآية الكريمة، ومنتظرون قضاء بعضها الباقي، وهو القتال إلى الموت شهيدًا، وفي وصفهم بالانتظار إشارة إلى كمال اشتياقهم إلى الشهادة.
تفصيل (?) لحال الصادقين، وتقسيم لهم إلى قسمين، والنحب في الأصل: النذر المحكوم بوجوبه، وهو أن يلتزم الإنسان شيئًا من أعماله ويوجبه على نفسه، وقضاؤه الفراغ منه والوفاءُ به، يقال: قضى فلان نحبه؛ أي: وفي بنذره، ويعبر بذلك عمن مات كقولهم: قضى أجله واستوفى أكله، وقضى من الدنيا حاجته، وذلك، لأن الموت كنذر لازم في عنق كل حيوان.
وقال أبو السعود: ويجوز (?) أن يكون النحب مستعارًا لالتزام الموت شهيدًا، إما: بتنزيل أسبابه التي هي أفعال اختيارية للناذر منزلة التزام نفسه، وإما بتنزيل نفسه منزلة أسبابه، وإيراده الالتزام عليه، وهو الأنسب بمقام المدح، وأما ما قيل عن أن النحب استعير للموت؛ لأنه كنذر لازم في رقبة الحيوان، فهو تقبيح للاستعارة، وإذهاب لرونقها. انتهى.
ومعنى الآية (?): أن من المؤمنين رجالًا أدركوا أمنيتهم، وقضوا حاجتهم، ووفوا بنذرهم، فقاتلوا حتى قتلوا، وذلك كما في يوم أحد، كحمزة بن عبد