"والثَّلاَثَةُ رَكبٌ"، يَعْنِي: أنَّ سَفَرهُمْ ثَلاَثتَهُمْ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مُبَاحٌ، لأَنَّهُمْ يَتَعاوَنُونَ ويُسَدِّدُ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً، وَيَتَقَدَّمُهُمْ إمَامُهُمْ في الصَّلَاةِ، وَيَكُونَا مِنْ وَرَائَهُ صَفَّاً.
* وقَوْلُهُ: "فإن كَانَتِ الأَرْضُ جَدْبةً فَانْجُوا عَلَيْهَا بِنِقْيِهَا" يعنِي: فَأَسْرِعُوا السَّيْرَ عَلَى الدَّوَابِّ في الأَرْضِ الجَدْبَةِ إنْ كَانَتِ الدَّوَابُّ ذَاتَ شَحْمٍ ومُخٍّ، والنَّقْيُّ: الشَّحْمُ وَالمُخُّ، ومَعْنَى هَذا: لِكَيْ تَخْرُجُوا مِنَ الجُدُوبَةِ إلى أَرْضٍ ذَاتِ مَاءٍ وَمَرْعَى، فإن كَانَتْ الدَّوَابُّ ضِعَافَاً فَارْتَفِقُوا ولَا تُعَنِّفُوا عَلَيْهَا.
* قَوْلُ عُثْمَانَ: (لَا تُكَلِّفُوا الأَمَةَ غير ذَاتِ الصَّنْعَةِ الكَسْبَ) يَعْنِي: لَا تَجْعَلُوا عَلَيْهَا مَرْتَبَةً تَأْتِي بِهَا في كُلِّ يَوْم، لأَنَّهَا رُبَّمَا (كَسَبت بِفَرْجِهَا) وأَتَتَكْمُ بهِ، وذَلِكَ حَرَامٌ.
(ولَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الكَسْبَ فإنَّهُ رُبَّمَا سَرَقَ) وجَاءَكُم بهِ، وذَلِكَ حَرَامٌ، ظَلاَ تُكَلِّفُوا الكَسْبَ مَنْ لَا يُطِيقُهُ.
(وعَلَيْكُمْ مِنَ المَطَاعِمِ بِمَا طَابَ مِنْهَا)، يَعْنِي: عَلَيْكُم بالحَلاَلِ، فَكُلُوا مِنْهُ واكْتَسِبُوه.
* [قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ]: كَرِهَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ للإمَاءِ أَنْ يَتَشَبَّهَنَ عِنْدَ خُرُوجِهِنَّ بالحَرَائِرِ، ولِذَلِكَ قالَ لابْنَتِهِ: (أَلَمْ تَرِ جَارِيةَ أُخْتِكِ تَجُوسُ النَّاسَ في هَيْئَةِ حُرَّةٍ) يَعْنِي: رَأَهَا تَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ مُغَطِّيَةَ الرَّأْسِ بثَوْبٍ كَالحُرَّةِ، فَدَلَّ هَذا مِنْ قَوْلهِ عَلَى أنَّ الأَمَةَ تَخْرُجُ في حَوَائِجِهَا [مَكْشَوفَةَ] (?) الرَّأْسِ، وأَنَّهُ لَا بَأْسَ بالنظَرِ إلى شُعُورِ الإمَاءِ، إذْ مِنْ شَأْنِهِنَّ الخُرُوجُ مَكْشُوفَاتِ الرُّؤُوسِ.
[قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ]: إنَّمَا كَانَ الإمَاءُ يَخْرُجْنَ في حَوَائِجِهنَّ مَكْشُوفَاتِ الرُّؤُوسِ عِنْدَ صَلاَحِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وأَمَّا حِينَ فَسَدَتْ فَلَا يَنْبَغِي للسَّادَةِ أَنْ يُخْرِجُوهُنَّ إلَّا مُسْتَّرَاتٍ كَالحَرَائِرِ.