ومَنْ غَيْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ: "أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قِيلَ لَهُ: البَعِيرُ الجَرِبُ يَحِلُّ بالإبِلِ فتجْرَبُ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلُ؟ " (?)، يَعْنِي: أنَّ الله -جَلَّ وَعَزَّ- الذِي أَجْرَبَ الأُولَى هُوَ فَعَلَ بِهَذِه مَا فَعَلَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلهِ: (لَا عَدْوَى).
* وقِيلَ أَيْضَاً في تَأْوِيلِ قَوْلهِ: "لَا يَحِلُّ المُمْرِضُ عَلَى المُصِحِّ"، أَيْ: لَا يَحِلُّ مَنْ أَصَابَهُ جُذَامٌ مَحِلَّةِ الأَصِحَّاءِ فَيُؤْذِيهِم بِذَلِكَ، مِنْ أَجْلِ رَائِحَةِ الجُذَامِ، وقَدْ قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ للمَرْأةِ المَجْذُومَةِ الَّتي كَانَتْ تَطُوفُ بالبَيْتِ: (لَوْ جَلستِي في بَيْتِكِ كَانَ خَيْرَاً لَكِ)، وإنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ رَائِحَةِ الجُذَامِ، والنَّظَرِ إليهَا.
* [قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ]: أَمْرَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بإحْفَاءِ الشَّوَارِبِ، وإعْفَاءِ اللِّحَى، قالَ ابنُ أَبِي زَيْدٍ: مَعْنَى هَذا أنْ تُعْفَى اللِّحْيَةُ، وتُوَفَّرُ، ولَا تُقَصُّ.
قال مَالِكٌ: ولَا بَأْسَ بالأَخْذِ مِنْ طُولهَا إذا طَالَتْ سَرَفَاً.
وقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابةِ والتَّابِعِينَ، وإنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لأَنَّهَا إذا طَالَتْ سَرَفَاً سُمِجَتْ، وخَرَجَ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ إلى حَدِّ الشُّهْرَةِ، فإذا أَخَذَ مِنْ طُولهَا يَسِيرَاً حَسُنَ ذَلِكَ.
وأَمَّا إحْفَاءُ الشَّوَارِب فَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ طَرَفِ شَعْرِ شَارِبهِ حَتَّى يَظْهَرَ طَرَفُ الشَفَّةِ، لَا حَلْقُهُ كُلُّهُ؛ لأن حَلْقَهُ مُثْلَةٌ.
* [قال عَبْدُ الرَّحْمَنِ]: القُصَّةُ الَّتي تَنَاوَلَها مُعَاوِيةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ يَدِ الحَرَسِيِّ كَانَتْ جُمَّةً مِنْ شَعَرٍ، وذَلِكَ أَنَّ المَرْأةَ رُبَّمَا جَعَلَتْ عَلَى شَعْرِهَا جُمَّةً مِنْ غَيْرِ شَعْرِهَا لِكَيْ يَرَى مَنْ يَرَاهَا أنَّهُ شَعْرُهَا، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْ أَجْلِ أنَّ فَاعِلَةَ ذَلِكَ لَمْ تَرْضَ بِمَا أَعْطَاهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَغَيَّرَتْ خَلْقَهَا، كَفِعْلِ الوَاصِلَةِ شَعْرَهَا بِغَيْرِ شَعْرِهَا، وقَدْ لَعَنَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الوَاصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَةَ،