فَقَالَ لَهُ: (إنْ كنتَ تَبْغِي ضَالَّتَهَا)، يَعْنِي: إنْ كُنْتَ تَطْلُبُ الضَّالَّةَ مِنْهَا حَتَّى تَرُدَّهَا.
(وتَهنَأَ جَرْبَاهَا)، يَعْنِي: تَطْلِي الجَرْبَةَ مِنْهَا بالهِنَاءِ، وَهُوَ القَطِرَانُ.
(وَتَلُطُّ حَوْضَهَا)، يَعْنِي: تُطَيِّنُ الحَوْضَ الذِي تَصُبُّ فِيهِ لِهَا المَاءَ عِنْدَ شُرْبِهَا وَتُصلِحَهُ.
(فَاشرَبْ غير مُضِرٍّ بنَسْلٍ)، يَعْنِي: اشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا مَا لَمْ يَضُرُّ شُرْبُكَ بأَوْلاَدِهَا فَيَمْنَعَهَمْ لَبَنُهَا.
(ولَا تَنْهَك في الحَلْبِ)، يَعْنِي: لَا تَسْتَقْصِ جَمِيعَ اللَّبَنِ الذِي في ضُرُوعِهَا.
فَفِي هَذا مِنَ الفِقْهِ: أَلَّا يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ يَتِيمِه إلَّا عِنْدَ خِدْمَتِهِ إيَّاهُ، يَأْكُلُ بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي خِدْمَتِهِ لَهُ؛ لأن الله -جَلَّ وَعَزَّ- قَدْ مَنَعَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ اليَتَامَى.
* [قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ]: قَوْلُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ لِجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ حِينَ رَأَهُ قَدْ اشْتَرَى لَحْمَاً بِدَرْهَمٍ، فَقَالَ لَهُ: (أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكمْ أَنْ يَطْوِي بَطْنَهُ عَنْ جَاره وابنِ عَمِّه)،يَعْنِي: أَنْ يَصْبِرَ عَنْ أَكْلِ الشَّهَواتِ، ويُؤثرَ بِطَعَامِهِ جَارَهُ وابنَ عَمِّه عِنْدَ الحَاجَةِ والضَّرَوُرَةِ، ثُمَّ نَزَعَ (?) بالآيةِ التّي أُنْزِلَتْ فِيمَنْ أَذْهَبَ طَيِّبَاتِهِ في حَيَاتِهِ الدُّنيا، وَهَذِه الآيةُ إنَّمَا نَزَلَتْ في قَوْمٍ كُفَّارٍ وامْتَثَلَهَا عُمَرُ في أَهْلِ الإتْرَافِ عَلَى
وَجْهِ الزُّهْدِ في الدُّنيا والقَصْدِ فِيهَا.
قالَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ: إدْمَانُ أكلِ اللَّحْمِ يُقْسِي القَلْبَ، وإغْبَابُ أَكْلِهِ هُوَ الصَّوَابُ (?)، وقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: "مَنْ تَرَكَ اللَّحْمَ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً سَاءَ خُلُقُهُ" (?).
* * *