فَوَجَّهَتْ حِينَئِذٍ أُمُّ [سُلَيْمٍ] (?) أَقْرَاصَاً مِنْ شَعِيرٍ لَقتْهَا بِبَعْضِ خِمَارِهَا، وأَعْطَتْهَا أَنسَ بنَ مَالِكٍ، وطَرَحَتْ فَصْلَةَ الخِمَارِ عَلَى ظَهْرِ أَنسٍ.
فِفِي هَذا مِنَ الفِقْهِ: سَدُّ الرَّجُلِ خَلَّةَ أَخِيهِ إذا عَلِمَ مِنْهُ حَاجَةً نزلَتْ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَسْألهُ ذَلِكَ، وهَذا مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ.
وعَلِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ ميَسُرّهُ مَسِيرَهُ إليهِ هُوَ وأَصْحَابُهُ، ولِذَلِكَ لاَقَاهُ أَبو طَلْحَةَ مَسْرُورَاً بهِ وبأصْحَابِهِ، ولَيْسَ العَمَلُ عَلَى ظَاهِرِ هَذا، مِنْ أَجْلِ أَنَّ هَذا لَا يَحْتَمِلَهُ كُل النَّاسِ، ولِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ دُعِيَ إلى طَعَامِ وَلِيمَةٍ أَو غَيْرِهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ غَيْرَهُ، إذْ لَا يَدْرِي هَلْ يُسَرّ ذَلِكَ صَاحِبُ الوَليمَةِ أَمْ لَا.
قالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ: (ادْعُ مَنْ لَقِيتَ)، فَمُبَاحٌ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ غَيْرَ (?).
وَفْي حَدِيثِ أَبي طَلْحَةَ البَرَكَةُ في الثَّرِيدِ، لِفِعْلِهِ ذَلِكَ - صلى الله عليه وسلم -، وفِيهِ: إبَاحَةُ أَكْلِ الطَّعَامِ المَأدُومِ، والأَكلُ حَتَّى يَشْبَعُ الإنْسَانُ، وأن لا يَجْلِسَ عَلَى مَائِدَةِ الطَّعَامِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ إذا كَانُوا جَمَاعَةً، لِقَوْلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - "ائدنْ لِعَشَرَةٍ"، وظَهَرَتْ بَرَكَةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في هَذا الطَّعَامِ اليَسِيرِ حَتَّى شَبِعَ مِنْهُ العَدَدُ الكَثيرُ، وهَذا مِنْ عَلاَمَاتِ نبوَّتهِ - صلى الله عليه وسلم -.
قالَ أَبو عُمَرَ: وذُكِرَ أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أكلَ آخِرَ القَوْمِ، وهَذا مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ.
* قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ"، يَعْنِي: أَنَّهُ مَا يَشْبَعُ مِنْهُ اثْنَانِ مِنَ الطَّعَامِ يَكْفِي ثَلاَثَةَ رِجَالٍ، وَيرْوَى عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ أَنَّهُ هَمَّ في سَنَةِ مَجَاعةٍ أَنْ يَجْعَلَ مَعَ أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ مِثْلَهُمْ عَلَى سَبيلِ المُوَاسَاةِ، وقَالَ: (إنَّ الرَّجُلَ لَا يَهْلِكُ عَلَى نِصْفِ قُوتهِ) (?).