ومَمَاتَهُ، وجَعَلَهَا دَارَ الهِجْرَةِ إليهِ، وَهِيَ مَحْفُوفَةٌ بالشُّهَدَاءِ، وعَلَى أَنْقَابِهَا مَلَائِكَةٌ، لا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ، ولَا الدَّجَّالُ، وبِهَا رَوْضَة مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، ولَوْ عَلِمَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ بُقْعَةً أَفْضَلَ مِنْهَا مَا دَعَا الله [جَلَّ وَعَزَّ] أَنْ يُدْفَنَ فِيهَا.

وقالَ مَالِكٌ [-رَحِمَهُ اللهُ-]: افْتُتِحَتِ القُرَى بالسَّيْفِ حَتَّى مَكَّةَ، وافْتُتِحَتِ المَدِينَةُ بالقُرْآنِ (?).

* قَوْلُ ابنِ عُمَرَ لِمَوْلَاتهِ حِينَ شَاوَرَتْهُ في الخُرُوجِ مِنَ المَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا: (اقْعُدِي لُكَعُ) [3305] , يَقُولُ: اقْعُدِي يا دَانِيةَ الحَالِ، ثُمَّ أَعْلَمَهَا بِمَا للصَّابِرِ مِنَ الأَجْرِ عَلَى لأَوَاءِ المَدِينَةِ، واللأَوْاءُ: هُوَ الجُوعُ ونَكَدُ الكَسْبِ (?).

وفِي هَذا الحَدِيثِ بَيَان لِفَضْلِ المَدِينَةِ عَلَى سَائِرِ البُلْدَانِ كُلِّهَا، وعَلَى المُسْلِمِ نَصِيحَةُ المُسْلِمِ إذا شَاوَرَهُ، وقَدْ قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" (?).

* قَوْلُ الأَعْرَابِيِّ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (أَقِلْنِي بَيْعَتِي) [3306] , يَعْنِي: أَقِلْنِي مَا بَايَعْتُكَ عَلَيْهِ مِنَ البَقَاءِ مَعَكَ بالمَدِينَةِ وتَرْكِي وَطَنِي، فأَبَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ [عِنْدَ ذَلِكَ مِنَ المَدِينَةِ] (?) عَاصيًا للهِ [جَلَّ وَعَزَّ] ولِرَسُولهِ [- صلى الله عليه وسلم -] وتَرَكَ هِجْرَتِهِ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ: "إنَّمَا المَدِينهُ كَالكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَها، ويَنْصَعُ طِيبُهَا"، يَعْنِي: تَنْفِي مَنْ لا خَيْرَ فِيهِ مِنَ النَّاسِ، ويَبْقَى فِيهَا الطَّيِّبُونَ النَّاصِعُونَ، والنَّاصِعُ: هُوَ الشَّيءُ الصَّافِي النَّقِيُّ اللَّوْنِ.

قالَ أَبو عُمَرَ: خُرُوجُ ذَلِكَ الأَعْرَابِيِّ مِنَ المَدِينَةِ (?) بَعْدَ هِجْرَتهِ إليهَا شَبيهٌ بالرِّدَّةِ، وذَلِكَ أَنَّ بَيْعَةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِلنَاسِ في أَوَّلِ قُدُومِهِ إلى المَدِينَةِ كَانَتْ عَلَى أَنْ لا يَخْرُجُ أَحَدٌ عَنْهَا، فَمَنْ خَرَجَ عَنْهَا كَانَ عَاصيًا للهِ وَرَسُولهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015