ذَلِكَ لكُلُّ حَدٍّ تَقَدَّمَ فِيمَنْ حُدَّ لَهُ وفِي غَيْرِهِ، وكَذَلِكَ إذا حُدَّ الرَّجُلُ في شُرْبِ الخَمْرِ كَانَ ذَلِكَ لِكُلِّ شُرْبٍ تَقَدَّمَ وإنْ حُدَّ في الزِّنَا كَانَ ذَلِكَ لِكُلّ زِنَا تَقَدَّمَهُ.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إنَّمَا لَزِمَ الحَدُّ عِنْدَ مَالِكٍ في التَّعْرِيضِ بالسَّبّ كَمَا يَلْزَمُ بالتَّصْرِيحِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الحُكْمَ في الأَشْيَاءِ لِمَعَانِيهَا، وذَلِكَ أنَّ المُعْرِضَ بالقَذَفِ إنَّمَا أَرَادَ بهِ مَا في نَفْسِهِ لا مَا ظَهَرَ مِنْ لَفْظِهِ، وأَصْلُ التَّعْرِيضِ بالسَّبِّ قَوْلُ قَوْمِ شُعَيْبِ: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87] , وإنَّمَا عَرَّضُوا لَهُ بالسَّبِّ بِضِدِّ قَوْلهِمْ، ولَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ في اعْتِقَادِهِمْ حَلِيمَا رَشِيدًا لأَجَابُوُه إلى مَا دَعَاهُم إليه وصَدَّقُوهُ في ذَلِكَ، ومِنْهُ قَوْلُ اليَهُودِ حِينَ كَانُوا يُخَاطِبُونَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُون لَهُ: يا مُحَمَّدُ، رَاعِنَا سَمْعَكَ، وكَانُوا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ سَبَّهُ بالرُّعُونَةِ، فَمَنَعَ اللهُ [جَلَّ وَعَزَّ] (?) مِنْ ذَلِكَ المُؤْمِنِينَ، وأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} [البقرة: 104].
* * *