كُتُبِ الحديثِ المُدَوَّنةِ، ومِنْ أَقَواها مَتْناً، وأَعْلاَها سَنَدًا، وأَغْزَرهَا فِقْها، ولِذا تَلَقَاهُ عنهُ خَلْقٌ مِنْ تلامذِته، ونشَرُوه في الآفاقِ، وحَرَصَ المُصَنِّفُونَ في السُّنَنِ والآثارِ على رِوَايةِ الكَثِيرِ مِنْ مَرْويَاتهِ مِنْ طُرُقٍ كَثيرَةٍ، وَرِوَاياب مُتَنوِّعةٍ، كَمَا تَنَاولهُ بالخِدْمةِ جَمٌّ غَفِيرٌ مِنَ الُمحَدِّثينَ والفُقَهاءِ، تَمَثَّلَ فِي شَرْحهِ، وتَفْسِيرِ أَلْفَاظهِ، واخْتِصَارِه وتَهْذِيبهِ، وبَيَانِ أَطْرَافهِ، وَوَصْلِ مُنْقَطعَاتهِ وبَلاَغَاتهِ، وتَوْضِيحِ رِجَالهِ وأَسَانِيدِه وغيرِ ذلك.
وكانَ لِعُلَماءِ الأَنْدَلُسِ وأَهْلِ المَغْرِبِ النَّصِيبُ الوَافِر في خِدْمَةِ هَذا الكِتَابِ العَظِيمِ، فألّفُوا فيهِ تأَليفَ كَثيرة، اسْتَعْرضَها بعضُ المؤلِّفينَ قَدِيمًا وحَدِيثًا (?).
ومنْ أَهَمِّ مَنْ قامَ بشِرْحهِ: الإمامُ الفَقِيهُ المُحَدِّثُ الزَّاهِدُ أبو المُطَرّفِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَرْوانَ القُنَازِعيُّ القرْطُبِي.
فقدْ تَوَلَّى شَرْحَ الموطَّأ، مُعْتَمِداً على رِوَايةِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ، وعَلَى بَعْضِ رِوَاياتِ المُوطَّأ الأُخْرَى، وعَلَى رَأْسِهَا رِوَايةِ يَحْيى بنِ بُكَيْرٍ، واعْتَمدَ فِي شَرْحهِ على أقوالِ عُلَماءِ الأَنْدَلُسِ خَاصَّةً، معَ اعتمادِه أيضًا على أقوالِ عُلَماءِ الأَمْصَارِ الآخَرِينَ مِنْ أئمة المالكيَّة وغَيْرِهم.
ويُعَدُّ هذا الكتابُ مِنْ أَفْضَلِ الكُتُبِ في شَرْحِ أَحَادِيثِ الموطَّأ، وفي بيانِ الأَحْكامِ الفقهيَّةِ، وعَرْضِ أقوالِ العلماءِ المتقدِّمينَ منهم والمتَأخِّرينَ.
وقدْ أشادَ بهِ كَثيرٌ مِنَ العُلَماءِ.
منهُم: القَاضِي عِياض، فقالَ في تَرْجَمَتهِ: (وكَانَ أَقْوَمَ مَنْ بَقِيَ بِحَدِيثِ مُوطَّأ مالكٍ، ولهُ تَفْسِيرٌ، كِتَابٌ مَشْهُورٌ، مُفِيدٌ، مُسْتَعملٌ) (?).