قالَ مَالِكٌ: وقَدْ فَعَلَهُ بُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ حِينَ نَادَى أَمِيرَ الجَيْشِ الذي كَانَ فِيهِم بُكَيْرٌ: (مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وكَذَا)، فَتَبَادَرَ القَوْمُ للقِتَالِ حِرْصًا مِنْهُمْ للأَخذِ مَا قَدْ جُعِلَ لَهُمْ، فَأَلقَى بُكَيْرٌ سِلَاحَهُ، وامْتَنَعَ مِنَ الخُرُوجِ مَعَهُمْ.
قالَ مَالِكٌ: ثُم فَكَّرَ سَاعَةً وأَخَذَ سِلَاحَهُ، وقَالَ: (اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ مَا لِهَذَا خَرَجْتُ، وإنَّمَا خَرَجْتُ ابْتِغَاءَ مَا عِنْدَكَ)، ثُم تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وكَانُوا غُزَاةً في البَحْرِ.
قالَ مَالِكٌ: وذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَيقَظَ مِن نَؤمِهِ قَبلَ خُرُوجهِ إلى القِتَالِ، فقَالَ: (إني رَأَيْتُ في مَنَامِي أَنِّي أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ، وسُقِيتُ فِيهَا لَبَنَاً، ولأُجَرِّبَن ذَلِكَ)، قالَ: فَاسْتَقَاء، فَفَاءَ لَبَنًا، وكَانُوا بِمَوْضِعٍ لَا لَبَنَ فِيهِ.
قالَ مَالِكٌ: وهَذِه قِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ، ويُكْرِمُ اللهُ مَنْ أَطَاعَهَ بِمَا شَاءَ (?).
* قالَ عِيسَى: كَانَ صَبِيغٌ يُتَّهَمُ بِرَأي الخَوَارِجِ وأَهْلِ الأَهْوَاءِ، فَسَألَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ عَنِ الذَّارِيَاتِ، والمُرْسَلَاتِ، والنَّازِعَاتِ، فَأمَرَ بهِ فَضُرِبَ بِجَرَائِدِ النَّخِيلِ حتَّى [أُدْمِي] (?) جَسَدُهُ، فَلَمَّا هَمَّ أَن يَبْرَأَ أَعَادَ عَلَيْهِ الضَّرْبَ، فقالَ لَهُ صَبِيغٌ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي فَقَتلٌ مُرِيحٌ، وإِن كُنْتَ تُرِيدُ دَوَائِي فَقَدْ بَلَغَنِي الدَّوَاءَ، فَخَلَّى عَنْهُ ونَفَاهُ إلى العِرَاقِ، وَكَتَبَ إلى أَبي مُوسَى أَلَّا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ، فَامْتَنَعَ النَّاسُ مِن مُجَالَسَتِهِ، فَلَما حَسُنَت حَالَهُ وظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ كَتَبَ بِذَلِكَ أَبو مُوسَى إلى عُمَرَ بنِ الخطاب، فأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يُخْلِي بَيْنَهُ وبَيْنَ مُجَالَسَةِ النَّاسِ، فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ للَّذِي سَأَلهُ عَنِ الَأَنْفَالِ: مَا هِيَ؟ فَأجَابَهُ ابنُ عَبَّاسِ، ثُم سَأَلهُ عَنْهَا مَرَّةً