مِنْ قِبَلِ أَصْحَابِ المَوَاشِي الذينَ سَرَّحُوهَا باللَّيْلِ، لِتَضْيِيعِهِمْ لِحِفْظِهَا حِينَ أَفْسَدَتْ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ ذَلِكَ.

قالَ أَصْبَغُ: ولَيْسَ لأَهْلِ المَوَاشِي أَنْ يُخْرِجُوهَا في قُرَى الزَّرْعِ بِغَيْرِ ذَوَّادٍ يَذُودُونَهَا، حتَّى يُخْرِجُوهَا عَنِ الأَجِنَّةِ والزُّرُوعِ، فإذا بَلَغُوا المَرَاعِي سَرَّحُوهَا، فَمَا شَذَّ مِنْهَا إلى الزَّرْعِ والأَجِنَّةِ كَانَ على أَصْحَابِ الزُّرُوعِ حِفْظَهَا ودَفْعَهَا عَنْ زُرُوعِهِمْ.

* قالَ عِيسَى: الذي يَقَعُ في نَفْسِي أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إنَّمَا قَطَعَ أَيْدِي رَقِيقَ حَاطِبٍ [2767] لأَنَّهُم سَرَقُوا نَاقَةَ المُزَنيِّ مِنْ حِرْزِهَا ولَمْ يَسْرِقُوهَا مِنَ المَرْعَى، ولَيْسَ يُلْزَمُ السَّيِّدُ غُرْمَ مَا سَرَقَ عَبْدُهُ إذا قُطِعَتْ يَدُ العَبْدِ، وإنَّمَا على العَبْدِ أَنْ يُغْرَمَ قِيمَةُ السَّرَقَةِ بَعْدَ قَطْعِ يَدِه إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وإلَّا فَلَا شَيءَ عَلَيْهِ، وإنَّمَا يَكُونُ في رَقَبَةِ العَبْدِ مَا كَانَ مِنْ سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا، ويُخَيَّرُ حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ بينَ افْتِكَاكِهِ بِقِيمَةِ السَّرِقَةِ، وبينَ أَنْ يُسْلِمَهُ إلى الذي سَرَقَهَا مِنْهُ، وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ جَمَلًا صَالَ عَلَيْهِ وثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ بِبيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ صَالَ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ غُرْمَ الجَمَلِ المَقْتُولِ، وهَذا قَوْلُ أَهْلِ المَدِينَةِ، وبهِ قَالَ مَالِكٌ (?).

وقالَ أَبو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ غُرْمُ قِيمَةُ الجَمَلِ لِصَاحِبهِ وإنْ قَامَتْ لَهُ بيِّنَةٌ بِصَوْلَتِهِ عَلَيْهِ، لأَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "جَرْحُ العُجْمَاءِ جُبَارٍ" (?).

قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: الصَّحِيحُ في هَذا مَا قَالَ مَالِكٌ وأَهْلُ المَدِينَةِ، وذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ للرَّجُلِ قَتْلُ الرَّجُلِ إذا أَرَادَ قَتْلَهُ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَقتَلهُ، ولَا يَكُونُ عَلَيْهِ في ذَلِكَ قَوَدٌ، ولَا دِيَةٌ، فَلِهَذا سَقَطَ عَنْ قَاتِل الجَمَلِ ضَمَانهُ إذا صَالَ عَلَيْهِ، ولَيْسَتْ حُرْمَةُ المَالِ أَجَلُّ مِنْ حُرْمَةِ الدَّمِ الذي يَسْقُط فِيهِ عَنِ القَاتِلِ القَوَدُ، وسَقَطَتْ عَنْهُ فِيهِ الدِّيَةُ.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015