ثم قالَ في المرْتَدِّ المَقْتُولِ: "هَلَّا استَتبتُمُوهُ (?) ثَلاَثًا، وأَطْعَمْتُمُوهُ كُل يَوْمٍ رَغِيفَاً"، فإنَّمَا أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - باستِتَابَةِ المُرْتَدِّ، لأَنَّهُ أَظْهَرَ الكفْرَ وأَعْلَنَ بهِ، وَهُوَ بِخِلاَفِ الزِّنْدِيقِ الذي يَسُرُّ الكُفْرَ وُيظْهِرُ الإسْلاَمَ، فَلِذَلِكَ لَا يُسْتَتَابُ، ولَا تُقْبَلُ تَوْبتُهُ، لأَنَّهُ لا يُدْرَى هَلْ هُوَ صَادِق في تَوْبتهِ أَمْ كَاذِبٌ، وقَدْ قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ- في أَهْلِ الكُفْرِ المُعلِنِينَ بِكُفرِهِم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، والرِّدْةُ تَحْبطُ جَمِيعَ الأَعْمَالِ، لِقَوْلِ الله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، فإذا ارْتَدَّ الرَّجُلُ بَعْدَ إنْ حَجَّ ثُمَّ تَابَ مِن ردَّتِهِ استَأْنَفَ الحَجَّ، وسَقَطَت عَنهُ أَيْمَانه بالعِتْقِ والظِّهَارِ وغَيْرِهَا، غَيرَ أَنَّهُ لا تَسْقُطُ عَنهُ حُقُوقُ النَّاسِ قِبَلَهُ، هِيَ بَاقِيَة عَلَيْهِ حتَّى يُؤَدِّيهَا.
وقالَ أَبو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَمَرَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ أَنْ يُطْعَمَ (?) المُرتَدُّ في أيَّامُ استِتَابَتِهِ كُل يَومٍ رَغِيفَاً لِكَي يَجُوعَ، فَيتمَثَّل بألَمِ الجُوُعِ أَلمُ السَّيْفِ، فَرُبمَا كَان ذَلِكَ سبَبًا لِتَوْبَتِهِ.
وقالَ ابنُ القَاسِمِ: بلْ يُطْعَمُ كُل يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِ مِنَ الطَّعَامِ في غَيْرِ تَفَكُّهٍ، ويُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ.
وقالَ أَشْهَبُ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ المُرتَدِّ هَلْ لَهُ حَدٌّ يُترَكُ إليهِ؟ فقالَ: إنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ.
ثم قالَ مَالِكٌ: لا يَأْتِي مِنَ الإستِظهَارِ الأَخِيرِ، يُرِيدُ: أَنَّهُ يُزَادُ على الثَّلاَثَةِ أيَّامٍ في الإستِتَابَةِ.
وذَكَرَ أَبو [مُحمَّدٍ] (?) في المرُتَدِّ أَنَّهُ يُستَتَابُ نِصْفَ شَهْرٍ.