إلَّا بالبينَةِ العَادِلَةِ بِعدلٍ يُعْذَرُ إلى المَحكُومِ عَلَيْهِ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِمَا شُهِدَ بهِ. قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا ضَرَبَ عُمَرُ اليَهُودِيَ حِينَ قَالَ لَهُ: (واللهِ لَقَد قَضَيْتَ بالحَقِّ)، لأَنَّهُ مَدَحَهُ في وَجْهِهِ، وقَد قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "احْثُوا التُّرَابَ في وُجُوه المداحِينَ" (?).
وقالَ أَبو عُمَرَ: إنَّمَا ضَرَبَهُ لادَّعَائِهِ مَغرِفَةَ الحَقِّ الذي هُوَ عِنْدَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَجِدُ في التَّوْرَاةِ أَنَ الحَكَمَ إذا قَصَدَ الحَقَّ والعَدْلَ في أَحكَامِهِ كَانَ مُوَفَقَاً مُسَدَّدَاً، صدَّقَهُ عُمَرُ في ذَلِكَ.
قالَ أَبو المُطَرِّفِ: فِي كِتَاب اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- دَلِيل على صَحّةِ قَوْلِ ذَلِكَ اليَهُودِي، قالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} [ص: 26]، فَكُلُّ مَنْ لم يَتبِعِ الهوَى في حُكْمِهِ كَانَ مُوققَا مُسَدَدَاً مُعَاناً بالمَلاَئِكَةِ، ومَنْ قَصَدَ البَاطِلَ في حُكْمِهِ لم يُوفَقْ، ولَم يُسَدَّد، ولا أَعَانتهُ المَلاَئِكَةُ.
ورَوَى أَبو هُرَيْرَةَ عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ المُسْلِمينَ حتَّى يَنَالَهُ، ثُمَّ غَلَبَهُ عدلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الجَنَةُ، ومَنْ غَلَبَهُ جَوْرَهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ" (?).
قالَ أَبو المُطَرّفِ: قَوْلُهُ "أَلاَ أُخْبِرُكمُ بخَيْرِ الشهدَاءِ" وذَكَرَ الحَدِيثَ، مَعنَى هذا الحَدِيثِ: رَجُل سَمِعَ رَجُلًا يُطلقُ امرَأتَهُ أَو يَعتِقَ عَبْدَهُ، ثُمَّ جَحَدَ الطَّلاَقَ أَو العِتْقَ، فَوَجَبَ على مَنْ سَمِعَهُ يُطَلِّقُ امرَأتَهُ أَو يَعتِقُ عَبْدَهُ أنْ يَأتِي السلْطَانَ فَيَشْةدُ عِنْدَهُ بِمَا سَمِعَ مِنْ ذَلِكَ، قَبْلِ أَنْ يُسْئَلُ عَنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ، ولَيْسَ هذا الحَدِيثُ في كُلِّ الشَّهَادَاتِ، وأَمَا مَنْ كَانتْ عِنْدَهُ شهادة في حَقٍّ مِنَ الحُقُوقِ فَدُعِيَ إلى أَدَائِها فَوَاجَبٌ عَلَيْهِ أَدَاؤُها، إذ في كِتْمَانِها قَطْعُ حَقٍّ، وعَوْن على ظُلْمٍ.