الطَّعَامَ إلى المَدِينَةِ مِنَ النَّوَاحِي في شِدَّةِ الحَر والبَردِ، فَهُؤَلاءِ يَبيعُونَ كَيْفَ شَاءَ اللهُ ولَا يَقَوُّمُ عَلَيْهِم الطعَامُ، فإنْ كَسَدَ عَلَيْهِم ولَم يَبِيعُوهُ كَانُوا فيَ ضِيَافَةِ عُمَرُ حتَّى يَبِيعُوا، ولَا يُقَالُ لِهؤُلاءِ كَمَا قالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ لِحَاطِبِ بنِ أَبي بَلْتَعَةَ: (إمّا أَنْ تَزِيدَ في السِّعْرِ، وإمَّا أنْ تَرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا).
قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا قالَ هذا عُمَرُ لِحَاطِبِ بنِ أَبي بَلْتَعَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي مَعَ النَّاسِ في السُّوقِ كَمَا يَشْتَرُونَ، ثُمَّ كَانَ يَحُطُّ مِنْ سِعرِ النَّاسِ، [إذ] (?) كَانَ النّاسُ يَبِيعُونَ أربَعَةَ أَمدَادٍ بِدِرهم، وَيبِيعُ هُوَ ثَلاَثَةَ أَمدَادٍ بِدرَهمٍ، فقالَ لَهُ عُمَرُ: إمَّا أَنْ تَبِيعَ كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ، وإلَّا فَقُم مِنَ السَّوقِ.
قالَ عِيسَى: وَكُلُّ مَنْ نَقَصَ مِنْ سِعرِ النَّاسِ مِنَ التُّجَّارِ خَاصَّةً الذينَ يَشْتَرُونَ في السُّوقِ فإنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيعِ كَمَا يَبِيعُ النَاسُ، وإلَّا أُقِيمَ مِنَ السُّوقِ، وَهُو بِخِلاَفِ جُلَّابِ الطعَامِ الذينَ يَبِيعُون بأَسْوَامٍ مُخْتَلِفَةِ.
قالَ عِيسَى: وكَانَ رَبِيعَةُ بنُ أَبي عَبْدِ الرَّحمنِ يَرَى التَّغْرِيمَ على أَهْلِ الحَوَانِيتِ، ويَقُولُ: يَجْعَلُ لَهُم السُّلْطَانُ فَضْلاَ على قدرِ شُخُوصِهِم في ذَلِكَ، ثم يُقَوُّمُ عَلَيْهِم، فَمَنْ بَاعَ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَقَامَهُ مِنَ السُّوقِ.
وقالَ اللَيْثُ بنُ سَعدٍ: إنْ تَعَدُّوا ذَلِكَ عَلَيْهم بِقدرِ اجْتِهادِ السُّلْطَانِ ضُرِبُوا على تَعَدِّيهِم.
وذَكَرَ العَلاَءُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: "أَنَ رَجُلًا جَاءَ إلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، سَعِّرْ، فقالَ: بَلِ اللهُ تبَارَكَ وتَعَالَى يَخْفِضُ ويَرفَعُ، وإني لأَرجُو أَن أَلْقَى الله -عَزَّ وَجَلَّ- بِلاَ مَظْلَمَة قِبَلِي لأَحَدٍ" (?).
* * *