بابُ الوِصَالِ، إلى آخرِ
بَابِ قَضَاءِ رَمَضَانَ والكَفَّارَاتِ
قالَ مَالِكٌ: لا يُوَاصِلُ الصَّائِمُ مِنْ لَيْلٍ إلى لَيْلٍ، ولَا مِنْ سَحَرٍ إلى سَحَرٍ، لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الوِصَالِ.
قالَ أَبو جَعْفَرِ بنُ عَوْنِ اللهِ: قَدْ وَاصَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بأَصْحَابهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ على أَنَّ الوِصَالَ مُبَاحٌ، وإنَّمَا نَهَى عنهُ - صلى الله عليه وسلم - رَأْفَة ورَحْمَة ورِفْقَاً بأُمَّتِه، إذ ليسَ كُلُّ النَّاسِ يُطِيقُونَهُ، وقدْ قالَ بهذا قَوْمٌ مِنَ المُتَعَبِّدِينَ.
* وقَالَ غَيْرُ أَبي جَعْفَرٍ: روَى أَبو سَلَمَةَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الوِصَالِ، فَقَالُوا: إنَّكَ تُوَاصِلُ، فقالَ: إنّيَ أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي ويَسْقِينِي" (?)، يعنِي: يُقَوِّينِي علَى الصِّيَامِ حتَّى أَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَأْكُلُ ويَشْرَبُ، فَلَمَّا أَبَوا أَنْ يَنتهُوا عَنِ الوِصَالِ وَاصَلَ بِهِم - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا وَيوْماً، فَلَمَّا أَمْسُوا رَأَوُا الهِلاَلَ، فقالَ: "لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُم" كالمُنَكِّلِ لَهُم حِينَ أَبَوا أَنْ يَنتهُوا عَنِ الوِصَالِ الذي كَانَ قَدْ نَهَاهُم عنهُ، فهذا الحَدِيثُ حُجَّةٌ على مَنْ يَقُولُ بِفَضْلِ الوِصَالِ في الصِّيَامِ إذ لمْ يُوَاصِلْ بِهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلّا على جِهَةِ النكَالِ لَهُم، وقدْ قالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ" (?)، وقالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وقدْ قالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إيَّاكُمْ والوِصَالَ، إيَّاكُمْ والوِصَالَ" [1060]، فلَا يَنْبَغِي أَنْ