وقالَ غَيْرُهُم مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ: يُصَامُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، واحْتَجّوا في ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمةَ، عَنِ ابن عبَّاسٍ قالَ: "جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: إني رَأَيْتُ الهِلاَلَ، فقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَتَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: قُمْ يا بِلاَلُ فَأَذِّنْ في النَّاسِ أنْ يَصُومُوا غَدَاً" (?)، هذَا حَدِيثٌ ليسَ هُو مِنْ أَحَادِيثِ أَهْلِ المَدِينَةِ، وَهُو حَدِيثٌ يُتَوجَّهُ على وُجُوهٍ، جَائِزٌ أَنْ يَنْزِلَ الوَحِيُ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ذَلِكَ الوَقْتِ بِصَحَّةِ قَوْلِ الأَعْرَابِيِّ، وجَائِز أَنْ يَكُونَ قَدْ شَهِدَ شَاهِدٌ آخَرُ عندَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيِّ، فَتَمَّتِ الشَّهَادَةُ عندَهُ بِشَهَادةِ ذَلِكَ الأَعْرَابِيِّ، فَلِذَلِكَ أَمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالصِّيامِ.
قالَ ابنُ مُزَيْنٍ: وقَدْ رَوَى الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أَمَرَ بِشَاهِدَيْنِ في هِلاَلِ رَمَضَانَ (?)، وقدْ أَبَى عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ هَاشِمَ بنَ عُتْبَةَ وَحْدَهُ على هِلاَلِ رَمَضَانَ (?).
قالَ مَالِكٌ: ويُقَالُ لِمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ وَاحِدٍ على رُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضانَ، أَرَأَيْتَ إنْ أُغْمِيَ الهِلاَلُ آخِرَ الشَهْرِ.
[قَالَ أَبو المُطَرِّفِ]: إنَّمَا قالَ مَالِكٌ هذا للمُخَالِفِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَقُولُ: لا يُفْطَرُ آخِرَ الشَّهْرِ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، ويَقُولُ: يُصَامُ أَوَّلُ الشَّهْرِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، ولَا فَرْقَ بينَ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِه، فَلِهذَا قالَ مَالِكٌ: أَرَأَيْتَ إنْ أُغْمِيَ الهِلاَلُ آخِرَ الشَّهْرِ، فَلَمْ يُرَ وقَدْ صَامُوا ثَلاَثِينَ يَوْمًا بِشَهَادةِ الوَاحِدِ، فَمِنْ قَوْلِ المُخَالِفِ أَنَّهُم