رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَحَ في تَرْكِ مَا فِيهِ التَّنَازَعُ بَيْنَهُم مِنَ القِرَاءَاتِ، والإجْمَاعَ على المُتَّفَقِ عَلَيْهِ طَلَبُ الصَّلاَحِ لِدِينِهِم جَازَ ذَلِكَ لَهُم.
قالَ أَبو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ (?): وبقِيَ الاخْتِلاَفُ بينَ القُرَّاءِ في حَرَكَاتِ القِرَاءَةِ مِنْ أَجْلِ المَصَاحِفِ التِّي كَتَبَها الصَّحَابَةُ كَانَتْ خَالِيَةً مِنَ الشَّكْلِ والنُّقَطِ، وكَانَ أَهْلُ كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنَ النوَاحِي يَقْرَؤُونَ بمَا عَلَّمَهُم أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ أَنْ يَجْمَعَ عُثْمَانُ المُصْحَفَ، ولَمْ يَكُونُوا أُمِرُوا بالإنْتِقَالِ عَنْ تِلْكَ القِرَاءَاتِ إلى غَيْرِها كَما أُمِرُوا بالانْتِقَالِ عمَّا يُوجِبُ الاخْتِلاَفَ في صُورَتهِ كـ (الزقْيَةِ) و (الصَّيْحَةِ)، و (العِهْنِ المَنْفُوشِ) و (الصُّوفِ المَنْفُوشِ) وشِبْهِ ذَلِكَ، فَلَمَّا لَمْ يُؤْمَرُوا بالانْتِقَالِ عَفَا اخْتَلَفُوا فيهِ مِنَ الحَرَكَاتِ صَحَّ أنَّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والدَّلِيلُ على ذَلِكَ أَنَّ المُسْلِمينَ لا يُخْطَئُ فيهِ بَعْضُهُم بَعْضَاً، كَقِرَاءَةِ نَافِعِ بنِ أَبي نعيْمٍ، وابنِ كَثِيرٍ، وأَبي عَمْروِ بنِ العَلاَءِ، وعَاصِمٍ، وحَمْزَةَ، والكِسَائِي، وابنِ عَامِر، فَهَذِه القِرَاءَاتِ مَعْرُوفَةٌ عندَ أَهْلِ الأَمْصَارِ، يَتْلُونَها آنَاءَ اللَّيْلِ والنَّهَارِ في الصَّلَوَاتِ وغَيْرِها.
قالَ صَالح بنُ إدْرِيس: وأَمَّا الحُرُوفُ التي وَقَعَتْ في بَعْضِ المَصَاحِفِ وأُسْقِطَتْ مِنْ بَعْضِها، مِثْلُ قِرَاءَةِ نَافع {وأوصى بها إبراهيم بنيه} باَلفٍ بينَ الوَاوينِ، وقِرَاءَةِ أَبي عَمْرِوٍ وغَيْرِه: {وَوَصَّى} [البقرة: 132] بِغَيْرِ أَلِفٍ، ومِثْلُ: {قالوا اتخذ الله ولداً} بغيْرِ وَاوٍ (?)، وقَرَأَ بَعْضُهُم: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} بِزِيَادَةِ وَاوٍ، ومِثْلُ قَوْلهِ: {سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] بِغَيْرِ وَاوٍ، وفي قِرَاءَةِ بَعْضِهِم: {*وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} بزيادة واو، ومِثْلُ قَوْلهِ في بَرَاءَةَ: {جنات تجري تحتها الأنهار} [التوبة: 100] في قِرَاءَةِ نَافِعٍ ومَنْ