وإلى جَانِبِ ذَلِكَ كَانَ اهْتِمَامُ بَعْضِ الخُلُفَاءِ بإنْشَاءِ المَكْتَباتِ، فقدْ كانَ قَصْرُ الحَكَمِ بِقُرْطُبةَ يَضُمُّ خَزَائنَ مِنَ الكُتُبِ يُقَالُ: إِنَّهَا لَمْ تَجْتَمِعْ لأحَدٍ مِنْ قَبْلَهُ ولا مِنْ بَعْدَهُ، قَدَّرَ بعضُ المؤرَّخِينَ مُحْتَويَاتِهَا بأَربعمائةِ ألفِ مُجَلَّدٍ أو أكثرَ (?)، ولَمَّا أَسْنَدَ المنصُورُ بنُ أَبي عَامِرٍ إلى ابنِ المَكْوِيِّ ومَنْ مَعَهُ إعادَةَ تَرْتِيبِ الخِزَانةِ طَالَتْ مُدَّةُ عَمَلِهِم في ذَلِكَ حَوْلاً كَامِلاً وزِيادةً (?)، وإلى جَانِبِ خَزَائنِ الحَكَمِ بِقُرْطُبةَ كانتْ في مُخْتَلِفِ كُبْرَياتِ مُدِنِ الأَنْدَلُسِ الأُخْرَى مَكْتَبَاتٍ كَثيرَةٍ، ويُضَافُ إلى هذا مَكْتَباتٌ خَاصَّةٌ لَدَى العُلَماءِ والأَعْيانِ، فقدْ ذُكِرَ أنَّ الإمامَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ فُطَيْسٍ (ت 402) كَانَتْ لَهُ مَكْتَبَةً كُبْرَى، وكانَ مَتَى عَلِمَ بِكِتَابٍ حَسَنٍ عندَ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ طَلَبَهُ للإبْتِيَاع منهُ وبالَغَ فِي ثَمَنِهِ، فإنْ قَدَرَ على ابْتيَاعِهِ وإلَّا انتُسَخَهُ منهُ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ، ولَمَّا تُوفي قَرَّر أَحْفَادُه بَيْعَهَا، وبَقُوا في ذَلِكَ مُدَّةَ عَامٍ كَامِل (?).
ومَنْ تتَبَّعَ كُتُبَ الترَاجِمِ مثل: (تَارِيخِ عُلَماءِ الأَنْدَلُسِ) لإبنِ الفَرَضِي، و (جَذْوةِ المُقْتَبسِ) للحُمَيْدِيِّ، و (تَرْتيبِ المَدَارِكِ وتَقْرِيبِ المَسَالِكِ لمِعَرفةِ أَعْلاَمِ مَذْهَبِ مَالِكٍ) للقَاضِي عِيَاضٍ، و (الصِّلَةِ) لإبنِ بَشْكُوالَ، و (بُغْيةِ المُلْتَمِسِ) للضبِّي وغَيْرِها عَلِمَ مَا وَصَلَتْ إليهِ الأَنْدَلُسُ في عَصْرِ المُؤلِّفِ وما قَبْلَهُ ومَا بَعْدَهُ مِنْ رِفْعَةٍ وتَقَدُّمٍ في المجالِ العِلْمِي، وفِيما يَلِي جَانِبٌ مُوجَزٌ لأَبْرَزِ العُلَمَاءِ في عَهْدِ المُؤَلِّفِ في فُنُونِ العِلْمِ المُخْتَلِفَةِ:
1 - فِي تَفْسِيرِ القُرْآنِ الكَرِيمِ وعُلُومهِ وقِرَاءَاتهِ: ظَهَر فِي الأندَلُسِ مُقْرِئينَ كِبَاراً ومُفْسِّرينَ عِظَاماً، مِثْلَ: أَبي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْطَاكِيِّ (ت 377)، وأبي القَاسِمِ أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ اللَّخْمِيِّ (ت 410)، وأبي عُمَرَ أحمدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ