وَسَبَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ سَبَقَا إلى العَيْنِ لأَخْذِهِما المَاءَ الذي قدْ كَانَ نَهَى أنْ يَمَسَّ أَحَدٌ منهُ شَيْئًا حتَّى يَأْتِيه رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِكي يُبَارَكَ فيهِ فَيَكْثُرُ، حتَّى يَشْرَبَ منهُ جَمِيعُ الجَيْشِ، فَلَمَّا فَعَلَ الرَّجُلاَنِ خِلاَفَ مَا قدْ كَانَ أَمَرَ به رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَضِبَ وسَبَّهُمَا، وكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْضَبُ كمَا يَغْضَبُ البَشَرُ، غيرَ أنَّ سَبَّهُ كانَ بَرَكَةً ورَحْمَةً للمُؤْمِنِينَ، وذَلِكَ ما حدَّثنا به أبو محمد البَاجِي (?)، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ خَالِدٍ، عَنْ جَمَاعةٍ مِنْ شُيُوخِه، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إسْحَاقَ الفَرْويِّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنَادِ، عَن الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "اللَّهُمَّ إني أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدَاً لنْ تُخْلِفَهُ، فإنَّما أَنا بَشَرٌ، فأيُّ المُؤْمِنِينَ سَبَبْتُهُ أو لَعَنْتُهُ فاجْعَلْهُ لَهُ صَدَقَةً وقُرْبَةً تُقَرِّبُه بها يومَ القِيَامَةِ" (?).
وهذا بِخِلاَفِ سَبِّه ولَعْنَتِه لِغَيْرِ المُؤْمِنِينَ، وسَبُّه لأُولَئِكَ ولَعْنَتْه إيَّاهُم مُسْتَجَابٌ منهُ فِيهم ولا [حُكْمٌ] (?) لَهُم في الآخِرَةِ.
ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِجَمْعِ مَاءِ تِلْكَ العَيْنِ لِيُبَارِكَ فيهِ، فَفَعلَ وصَبَّ فِيها مَاءَ وُضُوئِه فَجَرتْ تِلْكَ العَيْنُ في وَقْتِها بمَاءٍ كَثيرٍ، فَحِينَئِذٍ قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذٍ: "يُوشِكُ يا مُعَاذُ إنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ أنْ تَرَى مَاءً هَاهُنا قد مُلِئَ جِنَانَاً" يعني: إنْ عِشْتَ فَسَتَرَى هذا المَكَانَ الَخَالِي قدْ عُمِرَ وكَثُرتْ فيه الأَجِنَّةُ، بِسَببِ غَزَرُ مَاءُ هذه العَيْنِ، فَغَزُرَ مَاءُهَا مِنْ ذَلِكَ الوَقْتِ، وعَمُرَ المَكَانُ حتَّى صَارَت الأَرْحَاءُ (?)