المؤيَّدَ وأَقْعَدَهُ حيثُ يَرَاهُ النَّاسُ، وأَرْسَلَ قاضيهِ لِيفَاوِضَ البَرْبَر ويُبْلِغُهُم أنَّ هِشَامَ المؤيَّدَ هُوَ الخَلِيفَةُ ومَا هُو إلَّا كالحَاجِبِ له، لكنَّ أهلَ قُرْطُبةَ خَذَلُوا المَهْدِيَّ، وخَرَجُوا يُرَحِّبُونَ بِسُلَيمانَ المستعينِ، ثُمَّ نُودِي بالبَيْعَةِ بالعهدِ لِسُليمانَ بنِ الحَكَمِ.
ثُمَّ فَرَّ المهدِيُّ ومَنْ مَعَهُ مِنْ قُرْطُبةَ، واتَّفَقَ مَعِ النَّصَارَى على أنْ يَتَنازَلَ عَنْ بَعْضِ الثُّغُورِ نَظِيرَ - مُسَاعَدَتِهِم ضَدَّ المُسْتَعِينِ، فخَرجَ إليهم المستعينُ باللهِ مَعَ البَرْبرِ إلى مَكَانٍ قُرْبَ قُرْطُبَةَ يُعْرَفُ بدَارِ البَقَرِ، وكَانَت الدَّائِرَةُ فيها على المستعينِ والبَرْبرِ، ودَخَلَ المَهْدِيُّ قُرْطُبةَ مِنْ جَدِيدٍ، فعَاثَ فِيها ومَنْ مَعَهُ فَسَاداً، ثُمَّ أَجْهَزَ عَلَى كُلِّ بَرْبَرِيٍّ حَتَّى الأَطْفَالَ والنِّسَاءَ، فَحَدثتْ مَقْتَلةٌ عَظِيمَةٌ، ثُمَّ تَنَادَى إلى سَمْعِه بأن المُسْتِعينَ ومَنْ مَعَهُ مِنَ البَرْبرِ يَعُدّونَ العُدَّةَ لِقِتالهِ، فخَرَجَ إليهِم، فكانَت الدَّائرةُ في هذِه المرَّةِ على المَهْدِيِّ الذي عادَ إلى قُرْطُبَةَ لِيَتَحَصّن بِدَاخِلَها، ولكنَّ العَبيدَ قتلُوه وأَعَادُوا هِشَامًا المؤيَّد إلى كُرْسِيِّ الخلافةِ في ذِي الحجَّة سنة (400)، فَكانتْ وِلاَيةُ مُحَمَّدِ المهدِيِّ منذُ قامَ إلى أَنْ قُتِلَ سِتَّةَ عَشَر شَهْراً، منْ جُمْلَتِها الستَّةُ الأَشْهُرِ التي كانَ فيهَا سُلَيمانُ بِقُرْطُبةَ.
ولَمْ يَهْدأ لِسُليمَانَ المُسْتَعِينِ بالٌ طِوَالَ تِلْكَ الفَترةِ، إذ ظَلَّ يَجُولُ بِعَسَاكِرِه البَرْبرِ في بلادِ الأَنْدَلُسِ، إلى أن اسْتَطاعَ دُخُولَ قُرْطُبةَ في أوائلِ شَوَّال سنة (403)، وقُتِلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وعَدَدٌ كَبيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ والأَعْيانِ (?)، ثم أعطَى الأمَانَ لأهلِ قُرْطُبَةَ، وقامِ بخَلَعِ هِشَامِ المَؤيَّدِ مِنَ الخِلاَفةِ وقَتْلِهِ، ثُمَّ قامَ بِتَقْسِيمِ الأَنْدَلُسَ بينَ القَبَائلِ التي نصَرتْهُ مِنَ البربرِ وغَيْرِهم.
المرحلة الرابعة: دولة بنى حَمُّود: بَحَثَ العَامِريُّونَ وأَتْبَاعَهُم - وَهُم الذينَ فَرُّوا عَنْ قُرْطُبةَ بعدَ دُخُولِ المسْتَعينِ باللهِ لها - عَنْ خَلِيفَةٍ أُمُويٍّ فَلَمْ يَجِدُوا أَصْلَحَ