يُسْتَبَح التَّيَمُّمُ في ذلك المَكَانِ عندَ عَدَمِهِم المَاءَ لأنَّهُم كَانُوا أهلَ حَضَير، ولم يَتَوضَّاُ مِنْ بِئْرٍ بُضَاعَةَ (?)، وكَانَ لا يَقْرَبُهُ مِنْ أَجْلِ نَجَاسَتِهِ، وهذا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ أَبَاحَ الوُضُوءَ بمَاءِ بِئْرِ بُضَاعَةَ، واحْتَجَّ بأن المَاءَ إذا كَانَ قُلَّتيْنِ لم يُنْجِسْهُ ما طُرِحَ فيه مِنَ النَّجَاسةِ، وكانَت النَجَاسَةُ تُطْرَحُ في بِئْرِ بُضَاعَةِ.
ونَبع المَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِه مِنْ عَلَامةِ نُبُوَّته، وشَاهَدَ هذِه القِصَّةَ جَمَاعةٌ مِنَ الصحَابةِ، وقالَ غَيْرُه: إنما انْفَرَد أنسٌ بِروَايَتِها لِطُولِ بَقَائِه بعدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولِطَلَبِ العُلوِّ في سَنَدِ الحَدِيثِ.
* قَوْلُ ابنِ المُسَيَّبِ: (إنما ذلكَ وُضُوءُ النِّسَاءَ) [88]، يُرِيدُ أنَّ الرِّجَالِ يَتَمَسَّحُونَ الأَحْجَارَ عندَ الحَدَثِ، وأما المَرْأةُ فَتَغْسِلُ فَرْجَها عندَ البَوْلِ، مِنْ أَجْلِ انْتِشَارِ البَوْلِ عندَ خُرُوجِه مِنْ فَرْجِها، بِخِلَافِ ذَكَرِ الرَّجُلِ.
قولهُ - عليه السَّلَامُ -: "إذا شَربِ الكَلْبُ في إنَاءِ أَحَدِكُم فَلْيَغْسِلْهُ سَبع مَرَّات" [89]، قالَ ابنُ أبي زَيْدٍ: غَسْلُ الإنَاءِ في هذا الحَدِيثِ سَبْعَاً [تَعَبُّدا] (?)، ولَو كَانَ ذَلِكَ لِنَجَاسَتِه لأُزِيلَتْ بِغَيْرِ تَحْدِيدٍ.
قالَ مَالِكٌ: وقد أَبَاحَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَكْلَ صَيْدِه، فَكَيْفَ يُكْرَهُ لُعَابُهُ، وإنَّما يُغْسَلُ الإنَاءُ في المَاءِ وَحْدَهُ بعدَ أنْ يُهْرَقَ ذَلِكَ المَاءُ لِخَفَّةِ مَؤُنَتِه، وللحَدِيثِ الذي جاءَ فيهِ، ولا يُغْسَلُ لِطَعَامٍ ولا لِشَرَابٍ وَلَغَ فيهِ، ويُؤكَلُ ذلكَ الطَّعَامُ، وُيشْرَبُ ذَلِكَ الشَرَابُ الذي يَلِغُ فيهِ الكَلْبُ.
وقالَ ابنُ حَبِيبٍ (?): يُؤْكَلُ ذَلِكَ الطَّعَامُ وُيشْرَبُ ذَلِكَ الشَّرَابُ، ثُمَّ يُغْسَلُ بعدَ ذَلِكَ الإنَاءِ.