عُمُرهِ، وكانَ الحَكَمُ حَلِيماً رَفِيقَاً، كمَا كانَ صَارِماً قَاسيًّا على المتلَاعِبينَ مِنَ العُمَّالِ، وظَلَّ مُدَّةَ خِلاَفتهِ مُوَاصِلاً لِغَزْوِ الرُّومِ، ومَنْ خَالَفهُ مِنَ المُحَارِبينَ، ولَمَّا أَحَسنَ بِقُرْبِ نِهَايتهِ عَهِدَ لابنهِ هِشَامِ الثَّاني الذي لُقِّبَ بالمؤيدِ باللهِ، وكانَ صَبِيًّا، وقدْ أُخِذَ عليهِ لِتَقْدِيمِة ابنهِ الصَّبِيِّ على الأَكِفَّاءِ مِنْ أَعْمَامهِ، وتُوفِّي الحَكَمُ سنةَ (366)، وبِمَوْتهِ اخْتَفَى آخرُ العُظَماءِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ الأَنْدَلُسِيْينَ (?).
المرحلةُ الثانية: مَرْحَلةُ الدَّولةِ العَامِريَّةِ:
لما بُويعَ هِشَامُ بالخِلاَفةِ كانَ له مِنَ العُمُرِ أحدَ عشَر سنةً، واستطاعَ مُحَمَّدُ بنُ أَبي عامرٍ المعروفُ بالحَاجِبِ المَنْصُورِ أنْ يَكُونَ وَصِيًّا على الغُلاَمِ الخَلِيفةِ، وما لبثَ حتى اسْتَجْمَعَ أَزِمَّةِ السُّلْطةِ في يَدِه تِبَاعًا، وانتهى الأمرُ بأنْ فَرَضَ ابنُ أبي عَامِرٍ نَفْسَهُ حَاكِمًا مُطْلَقًا للأندلُسِ، وغَدا الخليفَةُ هِشَامٌ ليسَ له مِن الأمرِ شَيء، وكانَ ذلك سنة (371)، وقامَ المنصورُ بأمورِ الخِلاَفةِ خيرَ قِيامٍ، وكانَ حُكْمهُ مِنَ العُصُورِ الزَّاهيةِ في تاريخِ الأَنْدَلُسِ، ثُمَّ تُوفِّي سنة (392) مُتَأثرًا بِجِرَاحهِ إثْرَ قُفُولهِ مِنْ غَزْوَة لأَرَاضِي قُشْتَالةَ.
ثُمَّ تَولَّى عبدُ الملكِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبي عَامِرٍ الحِجَابةِ مَعَ بقاءِ اسمِ الخِلاَفةِ للمُؤيِّدِ باللهِ هِشام الثَّانِي، وقد استمَرَّ عبدُ الملكِ فِي تَجْهِيزِ الجُيُوشِ، وتَوْطِيدِ الأَمْنِ، وحِمَايةِ الثغُورِ، لَكِنَّهُ مَا لَبثَ أَنْ توفي في صَفَر سنة (399)، فَخَلَفهُ أخوُه عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ المنصورِ بنِ أَبي عَامِرٍ المُلَقَّبِ بالناصر والمعروفُ بِشَنْجُولَ، ولم يكنْ مثلَ أبيهِ وأخيهِ، فلمْ يَلْبثْ أَنْ طَلَبَ مِنَ الخَلِيفَةِ هِشَام المؤيَّدِ باللهِ بأن يَكْتَبُ إليهِ وِلَايةَ العَهْدِ مِنْ بَعْدِه، وحَصَلَ لَهُ مَأْمُولَهُ، فكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ فَتِيلٍ في الفِتْنَةِ،