وقوله: "فَسُحْقًا فَسُحْقَاً" يعني: بُعْدَاً لِهَؤُلاءِ المَطْرُودِينَ عَنِ الحَوْضِ، غيرَ أنَّهُ لا يَخُلَّدُ في النَّارِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، لأنَّهُ ثَبَتَ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قالَ: "إن اللهَ يقُولُ يومَ القِيَامَةِ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُم في قَلْبِه مِثْقَالَ حَبَّهٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ فأَخْرِجُوه مِنَ النَّارِ، فَيَخْرُجُونَ منها بإيمَانِهم فَيَدْخُلونَ الجَنَّةَ" (?).
قالَ أبو عُمَرَ: وهذا الحديثُ يَقْضِي على مَا في حَدِيثِ العَلَاءِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ (?).
قالَ أبو مُحَمَّدٍ: المَقَاعِدُ التي يَجْلِسُ عليها عُثْمانُ بنُ عفَّانَ كَانَتْ حِجَارَةً بِقُربِ دارِ عُثْمَانَ بنِ عفَّانَ، كانَ يَجْلِسُ عليهَا مَعَ أَصْحَابهِ، ومِنْ شَأْنِ الأئمةِ الإشْتِغَالُ بأمورِ المُسْلِمينَ، ولذلكَ رَتَّبُوا مُؤذِّنِينَ يُؤذِّنُونَهُم بأوقاتِ الصَّلَواتِ.
* قالَ أبو المُطَرِّفِ: قَوْلُه في آخرِ الحَدِيثِ: "لَوْلَا آيةٌ في كِتَابِ اللهِ ما حدَّثتكم به" (?) [83]، يعني: لَوْلَا أنَّ تَصْدِيقَهُ في كِتَابِ اللهِ تَبَارَكَ وتعَالَى ما حَدَّثتُكم به، ثُمَّ حدَّثهُم.
وتأوَّلَ مَالِكٌ في ذلك قولَ اللهِ تباركَ وتعَالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114] يعني: {طرفي النهار} صَلَاةً الصُّبْحِ والظُّهرِ والعَصْرِ، {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} المَغْرِبَ والعِشَاءَ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}.
وروى ابنُ بُكَيْرٍ: (لَوْلَا آيةٌ في كِتَابِ اللهِ عزَّ وَجَل ما حدَّثْتكُم به) (?)، يعني قولَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلي آخرِ الآيةِ [البقرة: 159]، يُرِيدُ عُثْمَانُ بهذا الوَعْدُ أنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أخَذَ على العُلَماءِ ألَّا يَكْتُمُونَ العِلْمَ ما حدَّثْتكُم بهَذا، لِئَلَّا يَتكِّلُوا عليهِ، وَيدَعُوا الأعْمَالَ.