اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
بَعْدَ أَنْ أَمَرَنَا - تَعَالَى - بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَالٌ فِيهِ وَلَا كَسْبٌ، وَلَا يُنْجِي مِنْ عِقَابِهِ فِيهِ شَفَاعَةٌ وَلَا فِدَاءٌ انْتَقَلَ كَدَأْبِ الْقُرْآنِ إِلَى تَقْدِيرِ أُصُولِ التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ الَّتِي تُشْعِرُ مُتَدَبِّرَهَا بِعَظِيمِ سُلْطَانِهِ - تَعَالَى -، وَوُجُوبِ الشُّكْرِ لَهُ، وَالْإِذْعَانِ لِأَمْرِهِ، وَالْوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِهِ، وَبَذْلِ الْمَالِ فِي سَبِيلِهِ، وَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرُورِ وَالِاتِّكَالِ عَلَى الشَّفَاعَاتِ وَالْمُكَفِّرَاتِ الَّتِي جَرَّأَتِ النَّاسَ عَلَى نَبْذِ كِتَابِ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ فَقَالَ:
اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فَسَّرَ الْجَلَالُ الْإِلَهَ بِالْمَعْبُودِ بِحَقٍّ، وَالْحَيَّ بِالدَّائِمِ الْبَقَاءَ، وَالْقَيُّومَ بِالْمُبَالِغِ بِالْقِيَامِ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ، وَقَدِ اسْتَحْسَنَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ قَوْلَهُ فِي تَفْسِيرِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَقَالَ: إِنَّ تَفْسِيرَهُ لِكَلِمَةِ " إِلَهٍ " هُوَ الشَّائِعُ وَهُوَ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا حَمَلْنَا الْعِبَادَةَ عَلَى مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ اسْتِعْبَادُ الرُّوحِ وَإِخْضَاعُهَا لِسُلْطَانٍ غَيْبِيٍّ لَا تُحِيطُ بِهِ عِلْمًا، وَلَا تَعْرِفُ لَهُ كُنْهًا، فَهَذَا هُوَ مَعْنَى التَّأْلِيهِ فِي نَفْسِهِ، وَكُلُّ مَا أَلَّهَهُ الْبَشَرُ مِنْ جَمَادٍ وَنَبَاتٍ وَحَيَوَانٍ وَإِنْسَانٍ فَقَدِ اعْتَقَدُوا فِيهِ هَذَا السُّلْطَانَ الْغَيْبِيَّ بِالِاسْتِقْلَالِ أَوْ بِالتَّبَعِ لِإِلَهٍ آخَرَ أَقْوَى مِنْهُ سُلْطَانًا، وَمِنْ ثَمَّ تَعَدَّدَتِ الْآلِهَةُ الْمُنْتَحَلَةُ، وَكُلُّ تَعْظِيمٍ وَاحْتِرَامٍ وَدُعَاءٍ وَنِدَاءٍ يَصْدُرُ عَنْ هَذَا الِاعْتِقَادِ فَهُوَ عِبَادَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَعْبُودُ غَيْرَ إِلَهٍ حَقِيقَةً، أَيْ لَيْسَ لَهُ هَذَا السُّلْطَانُ الَّذِي اعْتَقَدَهُ الْعَابِدُ لَهُ، لَا بِالذَّاتِ وَلَا بِالتَّوَسُّطِ إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، فَالْإِلَهُ الْحَقُّ هُوَ الَّذِي يُعْبَدُ بِحُقٍّ وَهُوَ وَاحِدٌ ; وَالْآلِهَةُ الَّتِي تُعْبَدُ بِغَيْرِ حَقٍّ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ غَيْرُ آلِهَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَكِنْ فِي الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ الَّتِي يُثِيرُهَا الْوَهْمُ ; ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى أَوْ سَمِعَ أَوْ تَوَهَّمَ أَنَّ شَيْئًا غَرِيبًا
صَدَرَ عَنْ مَوْجُودٍ بِغَيْرِ عِلَّةٍ مَعْرُوفَةٍ وَلَا سَبَبٍ مَأْلُوفٍ، يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تِلْكَ السُّلْطَةُ الْعُلْيَا وَالْقُوَّةُ الْغَيْبِيَّةُ لِمَا صَدَرَ عَنْهُ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ النَّفْعَ بِبَعْضِ الشَّجَرِ وَالْجَمَادِ كَشَجَرَةِ الْحَنَفِيِّ وَنَعْلِ الْكَلَشْنِيِّ يُعَدُّونَ عَابِدِينَ