بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - مَا مِثَالُهُ مُفَصَّلًا: كَانَ الْكَلَامُ إِلَى هُنَا فِي طَلَبِ بَذْلِ الْمَالِ وَالنَّفْسِ فِي سَبِيلِ اللهِ - تَعَالَى -، وَقَدْ ضُرِبَ لَهُ مَثَلُ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ فَمَاتُوا بِجُبْنِهِمْ وَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ كَثْرَتُهُمْ، ثُمَّ أَحْيَاهُمُ اللهُ - تَعَالَى - ; أَيْ أَحْيَا أُمَّتَهُمْ بِنَفَرٍ مِنْهُمْ غَيَّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَمَثَلُ الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ أَنْ غَلَبَ الْفِلَسْطِينِيُّونَ أَمَّتَهُمْ عَلَى أَمْرِهَا وَأَخْرَجُوهَا مِنْ دِيَارِهَا وَأَبْنَائِهَا، ثُمَّ نَصَرَهَا اللهُ - تَعَالَى - بِفِئَةٍ قَلِيلَةٍ مُؤْمِنَةٍ بِلِقَائِهِ، صَابِرَةٍ فِي بَلَائِهِ، بَعْدَ هَذَا أَرَادَ - سُبْحَانَهُ - أَنْ يُقَوِّيَ النُّفُوسَ
عَلَى الْقِيَامِ بِذَلِكَ، فَذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ كَانُوا أَقْطَابَ الْهِدَايَةِ، وَمَحَلَّ التَّوْفِيقِ مِنْهُ وَالْعِنَايَةِ، الَّذِينَ بَيَّنَ الدَّلِيلُ فِي آخِرِ السِّيَاقِ الْمَاضِي عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي فِيهِ سِيرَتُهُمْ مِنْهُمْ، وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ دَاوُدَ وَمَا آتَاهُ اللهُ مِنَ الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ، ذَكَرَهُمْ مُبَيِّنًا تَفْضِيلَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَخَصَّ بِالذِّكْرِ أَوِ الْوَصْفِ مَنْ بَقِيَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ، وَذَكَرَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَتْبَاعِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ فِي الِاخْتِلَافِ وَالِاقْتِتَالِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَوْضُوعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْإِنْفَاقُ وَبَذْلُ الْمَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ، لَكِنْ بِأُسْلُوبٍ آخَرَ كَمَا تَرَى فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْآيَةَ. قَالَ تَعَالَى: