عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ الْمُسْنَدَةِ فِي التَّفْسِيرِ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَوْ لَمْ يَقُلْ يُوسُفُ الْكَلِمَةَ الَّتِي قَالَ مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ حَيْثُ يَبْتَغِي الْفَرَجَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ)) وَنَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بَاطِلٌ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ جِدًّا. سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ضَعِيفٌ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْجَوْزِيُّ أَضْعَفُ مِنْهُ أَيْضًا. وَقَدْ رُوِيَ مِنَ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ مُرْسَلًا عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَهَذِهِ الْمُرْسَلَاتُ هَهُنَا لَا تُقْبَلُ لَوْ قُبِلَ الْمُرْسَلُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْطِنِ وَاللهُ أَعْلَمُ اهـ.
وَأَقُولُ: أَوَّلًا: إِنَّ مَا قَالَهُ فِي هَذَيْنِ الرَّاوِيَيْنِ لِلْحَدِيثِ هُوَ أَهْوَنُ مَا قِيلَ فِيهِمَا، وَمِنْهُ أَنَّهُمَا كَانَا يَكْذِبَانِ. وَثَانِيًا: إِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ (هَهُنَا) الطَّعْنَ فِي نَبِيٍّ مُرْسَلٍ بِأَنَّهُ كَانَ يَبْتَغِي الْفَرَجَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ، وَهُوَ الْجَدِيرُ بِأَلَّا تَحْجُبَهُ الْأَسْبَابُ الظَّاهِرَةُ عَنْ وَاضِعِهَا وَمُسَخِّرِهَا وَخَالِقِهَا - عَزَّ وَجَلَّ -. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: لَوْ قُبِلَ الْمُرْسَلُ مِنْ حَيْثُ هُوَ) مَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ وَهُوَ عَدَمُ الِاحْتِجَاجِ بِالْمَرَاسِيلِ، وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَرَاسِيلِ فِي التَّفْسِيرِ فِي الْكَلَامِ الْإِجْمَالِيِّ عَنْ رِوَايَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ وَأَمْثَالِهَا فِي الْخُلَاصَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ لِتَفْسِيرِهَا إِنْ شَاءَ اللهُ - تَعَالَى - وَمَا رَوَاهُ الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ مِنْ خِطَابِ اللهِ - تَعَالَى - وَخِطَابِ جِبْرِيلَ لِيُوسُفَ وَتَوْبِيخِهِ عَلَى الِاسْتِشْفَاعِ بِآدَمِيٍّ مِثْلِهِ، فَهِيَ مِنْ مَوْضُوعَاتِ الرَّاوِي وَالْمَرْوِيِّ عَنْهُمَا جَزَاهُمُ اللهُ مَا يَسْتَحِقُّونَ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ التَّفْسِيرَ الْمَأْثُورَ فِي الْآيَةِ بَاطِلٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً وَعَقِيدَةً وَلُغَةً وَأَدَبًا.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مُدَّةٍ لُبْثِ يُوسُفَ فِي السِّجْنِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ ((الْبِضْعِ)) وَاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ. فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْبِضْعَ مِنْ ثَلَاثٍ إِلَى تِسْعٍ، وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ عَلَى السَّبْعِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ فِي مُدَّةِ سِجْنِ يُوسُفَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا. وَمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ السَّبْعَ كَانَتْ بَعْدَ وَصِيَّتِهِ لِلسَّاقِي وَأَنَّهُ لَبِثَ قَبْلَهَا خَمْسَ سِنِينَ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.